تنشئة عبر الإنترنت

25 اغسطس 2019
لا بدّ للتنشئة الاجتماعية من مواكبتها (Getty)
+ الخط -
"طلبت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من المواطنين عدم أخذ صور فوتوغرافية أو تصوير أنفسهم عبر الفيديو بشكل غير لائق، كي لا يقعوا ضحية ويتم استغلالهم من قبل الآخرين، وعدم التردّد في الإبلاغ فوراً عن مثل هذه الحالات، لأنّ عدم الإبلاغ يؤدّي إلى تمادي المبتزين في جرائمهم وتكرارها". هذا الطلب يتكرر في نهاية كلّ خبر جديد عن قضية ابتزاز إلكتروني في لبنان، وهي أخبار تتزايد في الفترة الأخيرة.

في الجانب الأمني يبدو أنّ الجميع مكشوف إلكترونياً لجهات كثيرة، مع ما ينتشر من أجهزة اتصال وأدوات ووسائط، وما ينشر كلّ شخص يومياً من مواد مختلفة، في الشأنين العام والخاص، وصولاً إلى أدق التفاصيل المرتبطة بالشؤون الشخصية الداخلية؛ كالجامعة والمدرسة والعمل والعائلة والأصدقاء والعلاقات العاطفية وغيرها. وهذا الانكشاف الكامل دليله الأكبر في بلد مثل لبنان أنّ المسؤولين عن الأمن الإلكتروني للمواطنين لفقوا لهم في حالات سابقة قضايا ترتبط بتواصلهم الإلكتروني بالذات، ولولا اختلاط الأمني بالسياسي بالشخصي لما فضح ذلك التلفيق. وهكذا فالثقة بأنّ هناك من يسهر على أسرارك المنتشرة هنا وهناك وصورك التي تحسبها محتجزة في صندوق رسائل مقفل، ليست في محلها. وعدا عن الأجهزة الأمنية نفسها، وشركات مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلات نفسها، التي ينكشف كلّ يوم تجسسها على المستخدمين، فإنّ القراصنة الإلكترونيين ينشطون، لكنّ الأصدقاء -المفترضين- في العالم الافتراضي، يمارس بعضهم التهديد والابتزاز والتشهير.

الأساس في كلّ شيء اجتماعي، بعيداً عن الإجراءات الأمنية المتبعة، وفي الاجتماعي تربية وتنشئة لا تنفع معهما تحذيرات أمنية للمواطنين من "عدم أخذ صور فوتوغرافية أو تصوير أنفسهم عبر الفيديو بشكل غير لائق" فهؤلاء ربما يعبّرون عن أنفسهم بعدما حرموا طويلاً من ذلك، وبعدما توافرت سبل التعبير عن الذات بين أيديهم فباتوا "نجوماً" مثل أولئك الذين كانت المجلات والشاشات حكراً عليهم قبل عشرين عاماً فحسب.




العالم الثقافي- الاجتماعي يتغير، وليس المناخ فقط، ومع التغير أنماط فكرية وثقافية جديدة. لكن، بعيداً عن رفض البعض هذه الأنماط، وإقبال آخرين عليها، والفجوة الكبيرة الناجمة عن ذلك بين الطرفين، فإنّ الأخطر ألاّ تواكب التنشئة الاجتماعية ذلك التغير، وأن تنفصل التربية المنزلية والمدرسية مجدداً عن عصرها. عند هذه النقطة، من المحتمل جداً أن يصبح الإنترنت، بخيره وشرّه، الأداة التربوية الأكثر فاعلية واستدامة من مؤسسات تربوية تعيش في مكان معزول عمّن تتوجه إليهم، وإن احتكت بهم يومياً.