يتلمس العازف الطفل محمد مهاني (14 عاماً) من مدينة غزة طريقه مسرعاً نحو غرفته لعناق العود الذي استعاره، كي يترجم شعوره الحزين أو السعيد إلى مقطوعات موسيقية، لأغانٍ كان قد سمعها أو لألحانٍ تبدعها أنامله التي تداعب الأوتار المشدودة.
ما يميز العازف مهاني من بين أقرانه الأطفال من هواة الموسيقى أنه "كفيف"، عانى من خطأ في الولادة، عندما أزيلت قطعة من جلدة رأسه، وبعد شهرين نزلت مياه على عينه، أثرت على النظر، وأجريت له نحو 37 عملية جراحية، لكنه بعد كل تلك العمليات فقد البصر كلياً.
الظلام الذي ملأ نظر مهاني وأحبطه، وعزله تماماً عن محيطه الأسري والاجتماعي، كسره الالتحاق بمعهد "إدوارد سعيد" لتعلم أساسيات العزف على العود الذي يعشقه.
ويقول العازف محمد مهاني وهو أحد طلبة مدرسة النور والأمل الخاصة بالمكفوفين أنه بدأ العزف قبل ثلاثة أعوام، عندما شجعه أحد زملائه في المدرسة على العزف، فطلب من أهله البحث عن نادي المواهب، وتسجيل اسمه ضمن الأطفال الهواة.
ويوضح أنه اجتاز الامتحان الذي تقدم له مع 30 من الأطفال الهواة في المعهد الموسيقي بسهولة، وحصل على معدل ممتاز رغم إعاقته، مبيناً أنه اعتمد على التطبيق الفوري للنغمات التي كان يسمعها، دون الوقوع في الخطأ، ما دفع لجنة التحكيم إلى الوقوف احتراماً لموهبته، والتصفيق له.
اقرأ أيضاً: 3 فلسطينيين يبتكرون أول سترة إلكترونية للمكفوفين
ويقول مهاني أنه حاول بعد دخول المعهد التطوير ذاتيا، فاستعار عوداً خاصاً بالمعهد كونه لا يستطيع شراء عود خاص به، وبدأ بتنمية قدراته عبر عزف كل الأغاني التي يسمعها، والتعبير عن شعوره بالحزن أو بالفرح والسعادة من خلال العزف داخل غرفته.
ويؤكد أن كونه كفيفاً واقع يحفزه على الاستمرار في طريقه لإثبات عكس ما هو متوقع منه، والتميز في مجال العزف، وإخبار الجميع أنه أقوى من العمى، وأنه تجاوزه بالفعل، واتجه لتحقيق أحلامه بإرادته القوية.
ويوضح أنه يتلقى نفس المنهج الذي يتلقاه زملاؤه في المعهد، لكنه يسمعه عن طريق مُدرِس الموسيقى محمد الهباش، ويقوم بحفظ ما سَمِعه ويطبقه على العود، موضحاً أن مُدرِسه يُقدِر له حفظه السريع للأحرف الموسيقية، وإنجاز المهام بسرعة.
ويتمنى العازف مهاني أن يصبح موسيقاراً كبيراً، وأن يؤسس مدرسة خاصة به مثل كبار الموسيقيين في الوطن العربي والعالم، وأن يثبت للجميع أن المشاكل التي قد تواجه الإنسان ليست نهاية المطاف.
الموسيقى بالنسبة للطفل العازف هي "غذاء الروح وعالمه الخاص الذي يعكس شخصيته"، ويوضح أن إغلاق المعابر والحصار الإسرائيلي على غزة أثر سلباً على إمكانية خروجه من القطاع من أجل تطوير قدراته، والالتحاق بمدارس موسيقية تمكنه من ترك بصمة في المجتمع الموسيقي.
ويشير الطفل مهاني إلى أن قطاع غزة لا يحوي جهات راعية أو مهتمة بالمواهب الفلسطينية، مختتماً بالقول: "أتمنى على الجهات المختصة أن تدعمني، وتوفر لي عوداً خاصاً بي، وأن أتمكن من الخروج للمشاركة في مسابقات وحفلات دولية".
اقرأ أيضاً: "منارات أمل" للمكفوفين في فلسطين 48