المكان يعبق برائحة الخبيز، والصواني تملأ المشهد، أمّا طعم الكعك الذي يتراصّ في تلك الصواني فيشبه فرحة العيد نفسها. وصنع الكعك لطالما كان طقساً يبدأ قبل حلول عيد الفطر بأيام، فيُصار إلى التحضير له بدءاً من تخزين زبد الحليب ومن ثمّ تحويله إلى سمن استعداداً للعجن. وكان الأهل والأقارب والجيران يجتمعون لنقشه ورصّه في الصواني، قبل أن توضع الصواني في الفرن البلدي الذي يعمل على الحطب والجِلّة (روث الحيوانات الممزوج بالقش).
والمشهد كان يتكرر بحذافيره في كل قرى مصر ونجوعها، في حين كان يختلف قليلاً في المدن، إذ إنّ أهلها كانوا يحملون صواني كعك العيد إلى الأفران العامة من أجل خبزها. لم تكن تتوفر لدى معظمهم أفران بلدية كتلك التي يملكها سكان القرى.
كان ذلك طقساً غير عادي من طقوس العيد، وكان السرور والبهجة يعمّان التجمّعات. وكانت الجارات يتّفقنَ، إمّا جارات المبنى نفسه أو اللواتي يسكنّ في البيوت المتجاورة في القرى، فيستقبل منزل إحداهنّ أكبر عدد من النساء، ويتقاسمنَ الأدوار... واحدة تعجن وأخرى تحضّر الصاجات والصواني، قبل أن يجلسنَ بشكل دائري لتقطع مجموعة عجين الكعك وترصّه أخرى وتنقشه مجموعة ثالثة. ويجري كلّ ذلك بينما يتبادلنَ الحكايات والضحك. ولا ننسى من تجلس أمام الفرن لتخبز الكعك. وكان الأطفال يجلسون حولهنّ، إمّا يلعبون وإمّا يحصلون على قطع من العجين ليشكّلوها. في ذلك الوقت، كانت روائح البيوت تتشابه... رائحة زكية ينتظرها المصريون من عام إلى عام. يُذكر أنّ النساء كنّ يتفننّ في إعداد أنواع مختلفة من الكعك والبسكويت. وفي نهاية يومهنّ الطويل المخصّص لصناعة الكعك، كنّ يتناولنَ الطعام معاً، حتى لو كان هذا الطعام مجرّد جبن وبطاطا تُشوى في فرن الخبيز.
اقــرأ أيضاً
بعد مرور 18 عاماً من الألفية الثالثة، صارت تلك المشاهد جزءاً من الماضي الذي اندثر بفعل التطوّر التكنولوجي وعصر السرعة عموماً. لكنها تبقى حيّة في ذاكرة ملايين المصريين الذين ما زالوا يشعرون بحنين إلى ذلك الطقس الذي كان يجمع الأقارب والأحبّاء في كل منزل من منازل المحروسة وسط بهجة استثنائية. وعلى الرغم من أنّ الأجيال الجديدة لا تعرف هذا الطقس ولم تعِش تفاصيله، إلا أنّ أجيالاً أخرى تربّت عليه وعرفت تفاصيله التي اختفى بعض منها. لكنّ تلك الرائحة الزكية تبقى حاضرة وبقوة.
اليوم، يلجأ ملايين المصريين إلى كعك العيد الجاهز الذي يشترونه من المخابز المنتشرة في ربوع مصر. وتلك المخابز توفّره لأبناء الطبقتَين الفقيرة والمتوسطة، في حين تعرضه المحلات الفاخرة الكبرى لأبناء الطبقة الغنية. وراحت صناعة الكعك تتطوّر، فصار أشكالاً وألواناً غير التي ألِفناها في السابق عندما كان الكعك إمّا "سادة" وإمّا محشواً بالملبن أو العجوة. أمّا في أيامنا هذه، فقد ظهرت أنواع جديدة آخرها كعك "ريد فيلفيت" (المخمل الأحمر)، الذي راح ينتشر في البلاد.
اقــرأ أيضاً
ويعيد خبير العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية أحمد خطاب طقس صناعة الكعك إلى عصور ما قبل الإسلام، موضحاً أنّ الظهور الأوّل لكعك العيد يعود إلى نحو خمسة آلاف عام وتحديداً إلى أيام الفراعنة القدماء. ويخبر أنّ زوجات الملوك اعتدنَ تقديم الكعك إلى الكهنة القائمين على حراسة هرم خوفو في يوم تعامُد الشمس على حجرة خوفو.
إلى ذلك، انتشر الكعك في التاريخ الإسلامي في عهد الطولونيين (869 - 904) الذين كانوا يصنعونه في قوالب خاصة كُتِب عليها "كل واشكر". واحتل الكعك في عصرهم مكانة مهمة وصار من مظاهر الاحتفال بعيد الفطر. وفي العهد الفاطمي، كان الخليفة يخصص مبلغ 20 ألف دينار لصنع كعك عيد الفطر، فكانت المصانع تتفرغ لإعداده بدءاً من منتصف شهر رجب وملء مخازن السلطان به. وكان الخليفة يتولى بنفسه توزيعه، بحسب خطاب، الذي يشير إلى أنّ أشهر من صنع كعك العيد هي امرأة تُدعى حافظة، وكانت تنقش عليه عبارات مختلفة من قبيل "بالشكر تدوم النعمة".
والمشهد كان يتكرر بحذافيره في كل قرى مصر ونجوعها، في حين كان يختلف قليلاً في المدن، إذ إنّ أهلها كانوا يحملون صواني كعك العيد إلى الأفران العامة من أجل خبزها. لم تكن تتوفر لدى معظمهم أفران بلدية كتلك التي يملكها سكان القرى.
كان ذلك طقساً غير عادي من طقوس العيد، وكان السرور والبهجة يعمّان التجمّعات. وكانت الجارات يتّفقنَ، إمّا جارات المبنى نفسه أو اللواتي يسكنّ في البيوت المتجاورة في القرى، فيستقبل منزل إحداهنّ أكبر عدد من النساء، ويتقاسمنَ الأدوار... واحدة تعجن وأخرى تحضّر الصاجات والصواني، قبل أن يجلسنَ بشكل دائري لتقطع مجموعة عجين الكعك وترصّه أخرى وتنقشه مجموعة ثالثة. ويجري كلّ ذلك بينما يتبادلنَ الحكايات والضحك. ولا ننسى من تجلس أمام الفرن لتخبز الكعك. وكان الأطفال يجلسون حولهنّ، إمّا يلعبون وإمّا يحصلون على قطع من العجين ليشكّلوها. في ذلك الوقت، كانت روائح البيوت تتشابه... رائحة زكية ينتظرها المصريون من عام إلى عام. يُذكر أنّ النساء كنّ يتفننّ في إعداد أنواع مختلفة من الكعك والبسكويت. وفي نهاية يومهنّ الطويل المخصّص لصناعة الكعك، كنّ يتناولنَ الطعام معاً، حتى لو كان هذا الطعام مجرّد جبن وبطاطا تُشوى في فرن الخبيز.
بعد مرور 18 عاماً من الألفية الثالثة، صارت تلك المشاهد جزءاً من الماضي الذي اندثر بفعل التطوّر التكنولوجي وعصر السرعة عموماً. لكنها تبقى حيّة في ذاكرة ملايين المصريين الذين ما زالوا يشعرون بحنين إلى ذلك الطقس الذي كان يجمع الأقارب والأحبّاء في كل منزل من منازل المحروسة وسط بهجة استثنائية. وعلى الرغم من أنّ الأجيال الجديدة لا تعرف هذا الطقس ولم تعِش تفاصيله، إلا أنّ أجيالاً أخرى تربّت عليه وعرفت تفاصيله التي اختفى بعض منها. لكنّ تلك الرائحة الزكية تبقى حاضرة وبقوة.
اليوم، يلجأ ملايين المصريين إلى كعك العيد الجاهز الذي يشترونه من المخابز المنتشرة في ربوع مصر. وتلك المخابز توفّره لأبناء الطبقتَين الفقيرة والمتوسطة، في حين تعرضه المحلات الفاخرة الكبرى لأبناء الطبقة الغنية. وراحت صناعة الكعك تتطوّر، فصار أشكالاً وألواناً غير التي ألِفناها في السابق عندما كان الكعك إمّا "سادة" وإمّا محشواً بالملبن أو العجوة. أمّا في أيامنا هذه، فقد ظهرت أنواع جديدة آخرها كعك "ريد فيلفيت" (المخمل الأحمر)، الذي راح ينتشر في البلاد.
ويعيد خبير العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية أحمد خطاب طقس صناعة الكعك إلى عصور ما قبل الإسلام، موضحاً أنّ الظهور الأوّل لكعك العيد يعود إلى نحو خمسة آلاف عام وتحديداً إلى أيام الفراعنة القدماء. ويخبر أنّ زوجات الملوك اعتدنَ تقديم الكعك إلى الكهنة القائمين على حراسة هرم خوفو في يوم تعامُد الشمس على حجرة خوفو.
إلى ذلك، انتشر الكعك في التاريخ الإسلامي في عهد الطولونيين (869 - 904) الذين كانوا يصنعونه في قوالب خاصة كُتِب عليها "كل واشكر". واحتل الكعك في عصرهم مكانة مهمة وصار من مظاهر الاحتفال بعيد الفطر. وفي العهد الفاطمي، كان الخليفة يخصص مبلغ 20 ألف دينار لصنع كعك عيد الفطر، فكانت المصانع تتفرغ لإعداده بدءاً من منتصف شهر رجب وملء مخازن السلطان به. وكان الخليفة يتولى بنفسه توزيعه، بحسب خطاب، الذي يشير إلى أنّ أشهر من صنع كعك العيد هي امرأة تُدعى حافظة، وكانت تنقش عليه عبارات مختلفة من قبيل "بالشكر تدوم النعمة".