لم تكترث عائلة أصلان لانحسار الاهتمام بالبلاط البلدي في العمائر الحديثة، وتصر على المضي في العمل بهذه المهنة وتوريثها وتعليمها للأجيال الناشئة في العائلة.
يحدثنا صاحب المصنع، الحاج طلال أصلان، عن بدايات المصنع حيث أنشأه جده قبل 90 عاماً في يافا، "فكان أبي يعمل على صناعة البلاط البلدي في مدينة يافا، ولكن بعد أحداث النكبة عام 1948 انتقلنا إلى نابلس وأسسنا هذا المصنع من 60 عاما".
ما زال الحاج طلال يستذكر أدق التفاصيل عن تعلّمه هذه المهنة عن جده ووالده قائلاً: "كنت قبل الذهاب للمدرسة وبعدها أذهب للعمل في المصنع، فتعلمت أنا وإخوتي المهنة منذ الصغر، وهكذا علّمت أبنائي وأحفادي المهنة ذاتها لنحافظ عليها وعلى تراثها من الاندثار. وقبل تعليم المهنة لأي عامل نعلّمه كما تعلمنا من آبائنا وأجدادنا الصدق والأخلاق في العمل ومع الزبائن، بالإضافة إلى إتقان الصناعة بأدق تفاصيلها ليخرج منتجنا بجودة عالية، لأن أقل خطأ في المقادير والخطوات يؤدي إلى تلف البلاط".
وكان مصنع الحاج أصلان في بدايته عبارة عن غرفة صغيرة يعمل فيه ثلاثة عمال فقط، أما الآن فهو معمل كبير ويعمل فيه مع أبنائه وأحفاده الذين ما زالوا يحافظون على تقاليد المهنة بأدق تفاصيلها، حيث عمل أجداده بهذه المهنة منذ عام 1937 بعد أن تعلموها وعملوا فيها في الشام".
ويرجع سبب بقاء المصنع وعمله حتى الآن، بالرغم من استخدام البلاط الحديث حاليًا، إلى أن الناس يُقبِلون على شراء هذا البلاط لترميم بيوتهم القديمة، بالإضافة إلى الحفاظ على ديكورات بعض المطاعم والمقاهي التي تتخذ طابعا تراثيا شعبيا، كما يلاحظ أن هناك إقبالاً كبيراً على شراء هذا النوع من البلاط من قبل فلسطينيي الداخل (الأراضي المحتلة عام 1948)، بالإضافة إلى سكان القدس والأردن الذين يفضّلون هذا البلاط المعروف بجودته، فهو مصنوع يدويا بخلاف البلاط الحديث المصنوع بواسطة الآلات.
وما يميّز البلاط البلدي، كما يقول أصلان، أنه كلما مضى عليه وقت وسنوات يزداد لمعانا وجودة بعكس الأنواع الحديثة من البلاط، ويستخدم في مختلف مدن الضفة الغربية حاليا، إلا أنه يستخدم لأغراض الترميم فقط، لأن المباني الحديثة يستخدم فيها البلاط الحديث، كما أن زخارف البلاط البلدي تزيد عن 500 زخرفة".
ويقول حمدي أصلان، أحد العاملين في مصنع البلاط البلدي، إنه يتكوّن من روبة إسمنت تخلط مع الماء، بالإضافة إلى الصبغة حسب اللون المراد تلوين البلاط به، فهناك اللون الأصفر، والأحمر، والأخضر، والأسود، والأزرق، بالإضافة إلى باقي الألوان التي يتم دمجها من أكثر من لون.
ويضيف: "نقوم بصب روبة الإسمنت في القالب المخصص والمكوّن من ثلاث قطع يطلق عليها الطبلون، والإسوارة، والطربوش، حيث نقوم بصب الإسمنت والألوان في الشكل ونتدرّج أولا من اللون الفاتح للغامق في تعبئة الشكل، ثم نضع "الرشّة" المكونة من الناعمة والإسمنت، فهي تعمل على امتصاص الماء من المكونات، وبعد ذلك نضع الخلطة المكونة من الناعمة والإسمنت الأسود في النهاية".
وبعد الانتهاء من هذه الخطوات، يعمل صانعو البلاط البلدي على وضع البلاطة في مكبس ضغط ليصبح قبل وضعه معرّضا للهواء مدة يوم كامل حتى يجف، وأخيرا ينقع في الماء مدة 24 ساعة فيصبح جاهزا للاستخدام.
ويُقبِل بعض المواطنين، وهم قلّة، على شراء البلاط اليدوي كونه يحمل في طياته عبق الماضي والحاضر. ويقول نشأت كايد (35 عاما): "لقد اشتريت هذا النوع من البلاط نتيجة عدة أسباب، وأولها الدفاع عن المنتج الوطني، فأنا في ذلك أدعم المنتج المحلي الفلسطيني، بينما يذهب البعض إلى البلاط المستورد والإسرائيلي". ويقول كايد: "كما أنه يتميّز بجماله وصلابته، وعلى الأقل نحن نعرف المواد التي يُصنع منها". ويضيف: "أشعر بالفخر لوجود مثل هذا المصنع في بلدي، فهو يحافظ على تراثنا من الاندثار، في الوقت الذي تحاول إسرائيل طمس هويتنا الوطنية".
ويشار إلى أن مدينة نابلس في الضفة الغربية تشتهر بحفاظها على العديد من الصناعات الفلسطينية القديمة رغم اندثارها في العديد من المدن الأخرى.
اقرأ أيضاً: مقهى "الهموز" لا يشيخ