وعمد عدد من المحتجين من شباب مدينة منزل بوزيان، من محافظة سيدي بوزيد (وسط البلاد)، إلى غلق خط السكة الحديدية 13 من جديد ليتوقف نقل الفوسفاط القادم من الحوض المنجمي بمحافظة قفصة نحو المجمع الكيميائي بمحافظة صفاقس.
ونصب المحتجون خيمة فوق السكة الحديدية، كما وضعوا حجارة ضخمة كحواجز لإيقاف مسار القطار بعدما اطمئنوا لانسحاب قوات الأمن والتعزيزات التي حرست السكة طيلة اليوم ومكنت من عبور قطارين قبل أن يخيم الهدوء على المنطقة.
ولم تمض ساعات على عودة الهدوء إلى المنطقة بعدما سجلت ليلة الثلاثاء وثاني أيام رمضان في تونس عمليات كرّ وفرّ بمجرد إعلان السلطات استئناف العمل على الخط 13 حتى هرول الشبان لإغلاق السكة الحديدية، مطالبين بحقهم في الشغل والتنمية، لتنقلب محاولات تفريقهم إلى مواجهات بين الأمن والمحتجين.
وشهدت مدينة منزل بوزيان يوماً صعباً وشاقاً، إذ استعمل الأمن كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع للرد على الشبان الذين رشقوهم بالحجارة والقوارير احتجاجاً على فضّ اعتصامهم وكسرهم للحواجز.
وتصر السلطات التونسية على فتح الخط 13 نظرا للخسائر الكبيرة التي أصبحت تتكبدها الدولة بسبب التقلص الحاد في الإنتاج وارتفاع كلفة النقل بما يهدد شركة فوسفاط قفصة بالإفلاس، إلى جانب الخسائر الضخمة التي تتكبدها الشركة التونسية للسكك الحديدية بسبب تعطل مداخيل نقل المسافرين والتي كانت تدر أرباحا للناقلة الحديدية الوطنية.
وقال الرئيس المدير العام لشركة فوسفاط قفصة، عبد اللطيف حمام، في تصريح صحافي، إن وضعية الشركة صعبة ولا يمكن السكوت عنها ويجب على الدولة أن تطبق القانون لإنقاذ المؤسسة وإنعاش الاقتصاد.
وبيّن حمام أن القطارات استأنفت حركتها بعد تعطلها في منزل بوزيان، إذ أكمل قطاران رحلتيهما اليوم، قائلا "الدولة تحملت مسؤوليتها، ومن غير المقبول تواصل العبث بالثروات الوطنية واستسهال تعطيل الإنتاج''.
كما أكد حمام أن الإنتاج تراجع إلى الثلث في حين تضاعفت المصاريف بثلاثة مرات، وأن 4 مواقع استخراج الفوسفاط تعمل من مجموع تسعة، مشددا على أن أسباب تعطيل الإنتاج في مجملها هي الاعتصامات والتحركات الاحتجاجية.
ويعتبر مراقبون أن وراء الاحتحاجات لغز محير يتجاوز المطالب الاجتماعية للأهالي إلى لوبيات احتكار نقل الفوسفاط التي تعتبر المستفيد الوحيد من تعطل السكة الحديدية، حيث تضاعفت أرباحها نظرا لاضطرار الدولة للتعامل معها رغم غلاء أسعارها، حيث لا تتجاوز كلفة نقل الطن الواحد من الفوسفاط على متن القطار 6 دنانير في وقت تصل الكلفة إلى 30 دينارا عبر الشاحنات التي يملكها نافذون في السلطة وفي الأحزاب السياسية الحاكمة.
ووصف رئيس محطة الأرتال بمحافظة قفصة، زهير الهنشيري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، الوضع بالخطير جدا بعد تعمق الأزمة لفترة تجاوزت سبع سنوات، فمنذ 2012 توقف استغلال الخط الحديدي 13، وهو ما كلف الشركة الوطنية التونسية للسكك الحديدية خسائر فادحة لانعدام الموارد المالية المتأتية، خصوصا من نقل الفوسفاط، فضلا عن تنقل المسافرين من عموم أهالي الجنوب الغربي للبلاد المتجهين بشكل يومي نحو محافظات صفاقس وسوسة والعاصمة عبر هذا الخط الوحيد.
ودعا الهنشيري إلى إنقاذ الخط 13 بحماية القطار والطاقم والمسافرين من أجل إنعاش المنطقة اقتصاديا عبر المحافظة على شريان حياة الجنوب الغربي الذي تعرقل استغلاله لسنوات.
وبالرغم من المطالب المشروعة لأهالي منزل بوزيان التي تعرف نسبا مرتفعة في البطالة ونقصا حاد في التنمية وفي مواقع الشغل حيث بقي الوضع مترديا في الجهة، إلا أن تعطيل السكة الحديدية منذ سبع سنوات لم يغير في واقع الجهة شيئا بقدر ما أضر بالمجموعة الوطنية.