تعاني المعتقلات السوريات السابقات في سجون النظام، من تبعات نفسية واجتماعية سلبية، تلاحقهن بعد خروجهن من المعتقل، فتلقى بعضهن معاملة مشككة تشوبها اتهامات مبطن ونظرة دونية غير مبررة.
هذا الحال تعيشه معتقلات سابقات منتميات لأوساط ريفية أو محافظة، والتي توصم المرأة فيها بالعار حتى لو كانت ضحية.
هذا ما حدث مع هدى المعتقلة السابقة، والأم لطفلتين، والتي خرجت من المعتقل بداية عام 2015 بعد مضي نحو 3 أشهر على اعتقالها، لكنّ حياتها لم تعد كالسابق.
وتقول "في نفس اليوم الذي خرجت فيه، أخذوني إلى منزل والدي، ولم أر زوجي، وبعد ساعات فقط اجتمعت عائلتي لاستجوابي، وطلبوا مني أن أعترف، وانهالت الأسئلة هل اغتصبوكِ، هل اعتدوا عليكِ؟ لم يصدقوا أن هذا لم يحدث معي، بقيت نظرة الشك في عيونهم وعيون جميع المحيطين بي، إحداهن سألتني بوقاحة ماذا قدمتِ لهم حتى أخرجوكِ بثلاثة أشهر فقط. أعرف أن هناك اغتصاباً في السجون لكنه لا يحدث مع الجميع، وعلى فرض أنه حدث فما ذنبي أنا".
وتضيف " قرر زوجي بعد أيام أن ينفصل عني بسبب ضغط عائلته، وهو ما ثبّت التهمة علي أمام الناس، لم أحتمل الغمزات التي كانت تجري من خلفي وفي وجهي أحياناً، ولم أكن قد نسيت بعد قسوة الضرب والوحدة والخوف في السجن، بعد كل هذه التضحيات في سبيل حريتي وحريتهم، جلدوني بنظراتهم أكثر مما جلدني السجان. لذا غادرت البلاد مع طفلتيّ لأبدأ حياة بعيدة عن كل شيء".
تجربة مشابهة عاشتها شهد (25 عاماً) التي اعتقلت في منتصف 2012 في مظاهرة، وأفرج عنها بعد ستة أشهر، تقول "خرجت وبدأت الضغوطات تلاحقني من كل مكان، عدد من أهالي صديقاتي أو أزواجهن منعنهن من التواصل معي، معاملة أبي وأخي معي تغيرت كثيراً، الكثيرون ضغطوا علي للزواج من رجل يكبرني بـ 16 عاماً، بحجة أنه قبل أن يستر علي بعد أن تلطخت سمعتي بالسجون".
وتضيف "هذه الأمور وتفاصيل كثيرة أدخلتني في حالة اكتئاب شديد حتى أني فكرت بالانتحار، لولا أننا نزحنا من منزلنا وجئنا إلى تركيا حيث بدأت أعمل وابتعدت شيئاً فشيئاً عن هذه الضغوط التي كانت تؤثر على عائلتي أيضاً".
وفيما تخلصت هدى وشهد من هذا الحال، لاتزال عشرات النساء يعشن المعاناة رغم مرور فترة طويلة على خروجهن من السجن، وهو ما دفع المعهد السوري للعدالة بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، مؤخراً لإقامة جلسات حوارية في المجلس المحلي لمدينة حلب، لدعم الناجيات من الاعتقال، وتغيير النظرة الدونية تجاههن، وتوفير الحماية اللازمة لهن.
يقول عبد القادر مندو مدير المعهد لـ"العربي الجديد": "أقمنا ثلاث ورشات لمدة يومين، شارك فيها أعضاء من مجلس المدينة وممثلون عن مجالس الأحياء ومكتب المرأة في مجلس المدينة إضافة لمعتقلات سابقات، قمنا خلالها بتسليط الضوء على قوانين تحمي المرأة المعتقلة أثناء النزاع، وتوجيه المجلس المحلي للطرق التي تمكنه من دعمها وتمكينها في المجتمع".