لا شكّ في أنّ أهالي إدلب قلقون ممّا قد تذهب إليه هيئة تحرير الشام مستقبلاً بهدف ترسيخ سيطرتها أكثر، لا سيّما أنّهم يعانون اليوم من جرّاء تجاوزاتها.
في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقاً، المصنّفة منظمة إرهابية، يعيش نحو أربعة ملايين سوري تحت سلطة السلاح، فيما يدور الحديث همساً حول فساد الهيئة وفشلها في إدارة المنطقة، بالإضافة إلى الاتهامات التي توجّه إليها من جرّاء خسارة مناطق عدّة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي. لا يخفي مازن زين الدين، النازح إلى إدلب، شعوره بالخطر الدائم الذي يحوم في الأرجاء ومصدره عناصر الهيئة. ويقول لـ"العربي الجديد": "أنا غير مقتنع بمنهج الهيئة ولا بالنصرة (سابقاً) ولا أيّ فصيل ديني متشدد، لذا أشعر بأنّني مهدد بالاعتقال في أيّ لحظة". يضيف: "وأنا أتخوّف من البقاء محكومين من قبلها. فاليوم، قد تكون منشغلة بالوضع العسكري، لكنّها سوف تعمد إلى فرض منهجها المتشدد على الناس ما إن تفرغ من ذلك، وهو الأمر الذي سوف يزيد من سوء وضعنا، خصوصاً أنّها تستند إلى تنظيم القاعدة، وقد رأينا ماذا فعل في أفغانستان". بدوره، يؤكد مصطفى من ريف إدلب، وقد فضّل عدم الكشف عن شهرته خشية ملاحقته من قبل هيئة تحرير الشام، "وجود احتقان كبير بين الأهالي من جرّاء فشل الهيئة فشلاً ذريعاً في إدارة المنطقة، بالإضافة إلى الفساد المنتشر بشكل واسع والتعنّت في مواقف قادتها حتى على الصعيد الداخلي". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "كثيرين يظنّون بأنّ وجود الهيئة في المنطقة هو ما يتسبّب في استهدافهم وتنفيذ عمليات عسكرية ضدهم"، مستدركاً بأنّ "ثمّة آخرين يرون أنّ النظام السوري والروس سوف يجدون دائماً أسباباً موجبة لقصف مناطقهم". ويلفت مصطفى إلى أنّ "الحديث الأخير حول الفساد في داخل الهيئة من قبل أحد قادتها زاد من سخط مقاتليها إزاء واقعهم الداخلي، علماً أنّ موقف المجتمع واحد في ما يتعلق بقيادة الهيئة وعناصرها".
في السياق، يؤكّد الناشط في ريف إدلب محمد شكيب، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهيئة في الأصل ليست من نسيج المجتمع السوري، وهي جسم متطفّل عليه، ركب موجة الثورة وحاول سرقتها. لذا لم تحظَ يوماً بدعم شعبي ولا بحاضنة معتبرة لها، بسبب منهج تفكيرها وتديّنها الغريبَين عنّا". يضيف أنّ "المجتمع كحاضن للثورة، هو بالتأكيد مع حلّ الهيئة، غير أنّ مسؤولية خسائرنا لا تقع بأكملها على عاتقها". ويشير شكيب إلى أنّ "الفساد أمر موجود في الهيئة وفي المؤسسات المعارضة بمعظمها، لأنّ التعيينات الإدارية والمناصب القيادية ارتكزت على ولاءات ومصالح وليس على الكفاءة والنشاط الثوري الحقيقي".
بالنسبة إلى شكيب، فإنّ "الهيئة وغيرها من تنظيمات مشابهة استُخدمت كذريعة لارتكاب مجازر في إدلب ولاستعادة النظام أراضي كثيرة كانت قد خرجت عن سيطرته. تُضاف إلى ذلك سيطرة الهيئة على كلّ موارد المناطق غير الخاضعة إلى سيطرة النظام في إدلب. وفي ظلّ فساد أطرها القيادية، فإنّنا ذاهبون إلى الهاوية، بالتزامن مع مماطلة تركيا في إيجاد حلّ". ويرى شكيب أنّ "للشعب بالتأكيد خياراته، غير أنّه يعيش بين نارَين؛ نار الحرب الشرسة التي شنّها الروس والنظام عليه، ونار الوضع المعاش تحت سيطرة الهيئة. لذا طلب وقف إطلاق النار وتأمين حماية دولية للمدنيين، الأمر الواجب تلبيته من قبل المجتمع الدولي في حال كان جادّاً في إيجاد حلّ سياسي". ويتابع شكيب أنّ "المجتمع الدولي يتحمّل مسؤولية الوضع الحالي بمعظمه، لذلك نأمل أن نجد الدعم من قبل كلّ الشعوب الحرّة في العالم. فثورة السوريين في الأساس ضدّ الظلم والاستبداد والفساد".
أمّا أحمد، وهو ناشط آخر في ريف إدلب الجنوبي، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّه "من المستحيل أن أعادي في هذه الفترة أيّاً كان، فنحن في أمسّ الحاجة ولو لمقاتل واحد. الوضع صعب جداً، وهو حالياً غير قابل لنقد أيّ جهة". بالنسبة إليه، فإنّ "يداً واحدة لا تصفّق بمفردها، وكل القوى على الأرض مطلوبة للمشاركة. والهيئة ليست المسؤولة الوحيدة عمّا حدث في الريف الجنوبي لإدلب وفي ريف حماة، والصراحة تقتضي علينا أن نقول إنّ كل القوى الموجودة على الأرض تتحمّل المسؤولية". وفي ما يتعلّق بالتظاهرات التي خرجت في المنطقة مناهضة للهيئة، يرى أنّها وسيلة لتفريغ احتقان الناس، لكنّ ذلك أمر غير صائب في مثل هذا الوقت".
من جهتها، تقول صفاء العاملة في إحدى منظمات العمل المدني في إدلب لـ"العربي الجديد"، إنّ "الهيئة لا تتدخّل بأنشطة مشروعنا ولا تفرض أيّ شيء علينا. ونحن بالتالي ننفذ مشاريع الحماية بحسب خطة العمل الموضوعة". وتوضح أنه "لا يوجد أيّ قلق في إطار مشاريع الحماية، في حين أنّ ثمّة مخاوف مستقبلية من فرض الهيئة أجندات لا تتماشى مع سياق البلد وثقافة أهله وعاداتهم وتقاليدهم".