قبل نحو 18 شهراً، فقد دايفيد فرغوسون والدته. مرت هذه الأشهر ووجد نفسه في مواجهة موقف آخر. فقد صديقان عزيزان له والدتيهما أيضاً. ماذا يكتب لهما؟ في صحيفة "الغارديان" البريطانية، كتب: نحن لا "نفقد" أمهاتنا. نستخدم هذه الكلمة لنكون أكثر تهذيباً. في الحقيقة، نصبح من دون أمهات، مثل شخص بترت يده وصار من دون يد. إنه شعور عنيف وألمٌ يطال المفاصل والعظام. أمّهاتنا هن سماؤنا الأولى. حرفياً، هن بيتنا الأول، أو الكون الذي نشأنا من خلاله.
يتابع فرغوسون: "على الرغم من أن جميع المخلوقات الذين يولدون سيواجهون هذا الألم، إلا أن هذه الحقيقة لا تجعل وداع الأم أمراً سهلاً". يمكنني أن أقول لهما: "حصّنا نفسيكما. الحزن هنا قد يكون مثل جسم مادي يجب أن يطرده الجسد".
يذكر فرغوسون أن عمّه شارك في حرب فييتنام، وكان قريباً عندما توفي زميل له بسبب انفجار لغم أرضي. نجا عمه إلا أنه أصيب بجروح خطيرة وظل يعاني من الألم لفترة طويلة. يضيف: "الحزن موجود في داخلنا ويجب أن يخرج منا. ليس هناك طرق مختصرة. علينا أن نكون مستعدين لأي انفجارات مفاجئة". في إحدى المرات، رأى أمّاً تتسوّق مع طفليها من أحد المحال. ترك عربة كاملة ملأها بالأغراض، وخرج مسرعاً إلى سيارته وبكى كثيراً.
كتب له صديق في المدرسة الثانوية، والذي ذهب في جولات عدة إلى أفغانستان: "للمرة الأولى في حياتي أعرف الحزن. شعرت بحزن عميق، لكن هذا شيء آخر". يقال دائماً: "ستكون دائماً إلى جانبك". يسأل فرغوسون: "إذا كان ذلك صحيحاً، ما سبب شعوري بالوحدة؟ لماذا لا يمكنني التحدث إليها أو شم رائحة شعرها حين أعانقها"؟
يضيف: "حين نفقد شخصاً نحبه، لا يحدث أي شيء إيجابي في حياتنا. لكنني تعلّمت أن حجم الألم الذي نشعر به هو دليل على الحب الموجود في قلوبنا. وفي وقت لا أتوقع أن أتصالح مع حقيقة أن أمي رحلت، لكنني محظوظ كوني أحببت شخصاً وأحبني إلى هذه الدرجة. ربّما يكون هذا عزاءً متواضعاً في وجه رياح الألم التي تعصف بحياة صديقين، لكنه أفضل ما يمكن أن أقدمه لهما. مع الوقت، ربما تصبحان أكثر قدرة على العودة إلى حياتكما على الرغم من الحزن. يجدر بكما احترام كل مرحلة تمران بها، وتكونا شاكرين لحب الأم".
خلال الفترة الماضية، عرف فيرغوسون الألم، ذلك الذي يمر في مراحل عدة، ولا بد أن تخفت حدته في النهاية. لكن يبقى الحب، وهو شعور لا يغادرنا. ربما يأخذ أشكالاً مختلفة مع مرور الوقت. وكلّما خطرت والدته على باله، سيشعر بكل هذا الحب.