كثيراً ما يثير السجناء في تونس سواء في أثناء سجنهم أو بعد خروجهم من السجون، موضوع سوء الأوضاع في داخلها، لا سيّما في ما يتعلّق بالمتابعة الصحية للمساجين. وقد نبّهت منظمات حقوقية إلى مسألة تدهور المتابعة الصحية للمساجين والنقص في الكادر الطبي المعني.
نبيل عرعاري سجين سابق، يخبر "العربي الجديد" أن "غياب العناية الصحية بالمساجين أدّت إلى تدهور حالتي، وهو الأمر الذي استوجب نقلي إلى المستشفى لتلقي العلاج". يضيف: "عانيت آلاماً حملتها معي من مركز التوقيف، من جرّاء ما تعرّضت له من ضرب. وبقيت في سجن المرناقية نحو ستة أشهر، عانيت خلالها من مشاكل صحية عديدة، لا سيّما من كسور على مستوى الأضلع وأضرار على مستوى كليتي اليمنى". لكن غياب المتابعة الصحية وعدم توفّر الكادر الطبي اللازم، أدّى إلى إخراجه من السجن أكثر من مرّة لتلقي العلاج. وعلى الرغم من مرور أكثر من سنتين على الإفراج عنه (سجن عام 2012)، ما زال يعاني من مشكلات صحية لأنّه لم يتلق العلاج في الوقت المناسب.
وفق تقرير لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان لسنة 2013، نجد في تونس نحو 30 ألف سجين. بذلك تحتل المرتبة الثالثة في أفريقيا بعد المغرب والجزائر. ويتوزع النزلاء على 28 سجناً وسبعة مراكز توقيف، في حين أنّ عدد النزلاء في بعض السجون يتجاوز طاقة استيعابها. وهو ما يتسبب في تردي الحالة الصحية للسجناء. يضيف التقرير أنّ الاكتظاظ يؤثّر على النظافة الشخصية للمساجين باعتبار أنّ الوقت المخصص للاستحمام أقلّ من اللازم، الأمر الذي يؤدّي إلى انتشار الأمراض الجلدية مثل الجرب، خصوصاً في الصيف.
ويأتي عدم توفّر الكادر الطبي اللازم في السجون التونسية كإحدى المشاكل الأساسية التي نبّه إليها المجتمع المدني بعد الثورة. يقول زهير مخلوف وهو عضو هيئة الحقيقة والكرامة، إنّ "السجون التونسية تشهد نحو عشر حالات وفاة سنوياً، أكثرها لسجناء يعانون من أزمات صحية خطيرة. لكن الإدارة العامة لا تتحمّل مسؤولية الوفيات، ويعود ذلك إلى قلّة الأطباء من جرّاء عزوف عدد كبير منهم عن العمل هناك". يضيف مخلوف أنّ "ممرضين كثيرين يرفضون الالتحاق بالعمل في السجون، إلى جانب نقص الأدوية وعدم توفر سيارات إسعاف". ويشير إلى أنّ اكتظاظ السجون، كثيراً ما يسبب انتقال بعض الأمراض وعدم قدرة الكادر الطبي المتوفر على العناية بعدد المساجين الكبير".
اقرأ أيضاً: تونس العاصمة تقاوم
من جهتها، تقول آمنة بن حميدة وهي عضو في لجنة الحقوق والحرّيات التي زارت عدداً من السجون التونسية لـ "العربي الجديد"، إنّ كل السجون تعاني نقصاً كبيراً في الكادر الطبي، "وقد انتبهت اللجنة إلى مشكلة عزوف الأطباء عن العمل فيها. على سبيل المثال، ثمّة طبيب واحد لـ 1500 سجين في سجن المهدية".
في المقابل، تشير رئيسة نقابة السجون والإصلاح ألفة العياري إلى أنّ "المؤسسات السجنية لا تقصر على العناية بالمرضى، وقد تكفّلت الإدارة العامّة للسجون بعمليات جراحية عديدة فاقت كلفة الواحدة منها 22 ألف دينار تونسي (12 ألف دولار أميركي)". وتؤكد على حرص الإدارة توفير العلاج اللازم والتكفل بمصاريف علاج السجناء الذين لا عائلة لهم".
إلى ذلك، يشير المتحدث الرسمي باسم إدارة السجون والإصلاح رضا زغدود إلى أنّ "ستة ممرضين فقط يمارسون عملهم، في حين طالبت إدارة السجون والإصلاح بتوفير 70". يضيف أنّ "عدداً من الوحدات السجنية تفتقر إلى أطباء وطواقم طبية لأنهم يرفضون العمل في السجون". ويوضح أنّ "عدداً من السجون لا تتضمّن طواقم طبية منتدبة. وهو ما جعل إدارة السجون والإصلاح تتعاقد مع عدد من الأطباء غير متفرغين. صحيح أن اعتمادات مالية توفرت للإدارة من أجل تركيز طواقم طبية بكل السجون، إلا أنّ الممرضين والأطباء يرفضون العمل فيها".
وعند سؤالهم حول الموضوع، يرفض الأطباء بأكثريتهم الحديث عن دوافع العزوف عن العمل في السجون. ويقول أحدهم مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إنّهم "بأكثريتهم يرفضون العمل في السجون، خوفاً من التعامل مع المساجين وعدم الدراية بردود أفعالهم التي قد تكون عنيفة. إلى ذلك، قد يتحمّل الطبيب الواحد علاج آلاف المساجين لا سيّما مع الاكتظاظ الذي تشهده السجون التونسية وعدم قدرة الكادر الطبي البسيط المخصص لكل سجن على متابعة الحالة الصحية للعدد الكبير من السجناء".
اقرأ أيضاً: مريم منوّر.. الفتاة الشقراء التي تدافع عن المظلومين