مع انتشار الإنترنت عشوائياً وعدم لجوء الأهل إلى التحكّم في المحتوى الذي يصادفه أطفالهم على الشبكة، يصبح هؤلاء الصغار أكثر فأكثر مهدّدين بالتعرّض للتحرّش. وتحاول السعودية التصدّي لتلك المشكلة المتمدّدة.
حُجب أكثر من 5.1 ملايين رابط إباحي في السعودية خلال الأعوام الستة الماضية، فيما أُلقي القبض على مشغّلي أكثر من 777 حساباً على مواقع التواصل الاجتماعي تتحرّش بالأطفال وتستغلهم جنسياً. وتبيّن الأرقام أنّ استغلال الأطفال بات مشكلة حقيقية تستلزم التحرّك السريع، خصوصاً أنّها تتفق مع معطيات الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية حول ارتفاع نسبة التحرّش بالأطفال في البلاد التي تصنّف محافظة في الأساس.
في محاولة للتصدّي لهذه المشكلة، نظمت مديرية الأمن العام الملتقى الوطني للوقاية من الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت، برعاية وليّ العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. كذلك، أطلقت أخيراً هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بالتعاون مع وزارة التعليم، حملة لتوعية الأطفال حول كيفية الاستخدام الآمن للإنترنت وتعريفهم إلى المخاطر المحتملة في حال أساءوا استخدامه.
تشير مصادر في الهيئة لـ "العربي الجديد" إلى أنّ الحملة التي أتت تحت عنوان "إنترنت آمن" تأتي في ثلاث مراحل. تقدّم المرحلة الأولى برامج ونشاطات توعوية وتعليمية ترفيهية، فيما تشمل المرحلة الثانية تنظيم ورش تدريبية تفاعلية بمشاركة أكثر من 600 مدرّس ومدرّسة من المناطق التعليمية في مدن الرياض وجدّة والدمام بهدف إعدادهم كمدرّبين وسفراء للإنترنت الآمن لزملائهم في المدارس الأخرى وتلاميذهم على مستوى البلاد ككلّ. أمّا المرحلة الثالثة فتتضمّن معارض متنقّلة في المدارس، بهدف رفع مستوى الوعي لدى التلاميذ حول كيفية الحصول على إنترنت آمن.
تجدر الإشارة إلى أنّ الحملة تواصل نشاطاتها بعد إنهاء المراحل الثلاث، بصورة دائمة، من خلال موقعها الإلكتروني الرسمي وحساباتها التفاعلية على مواقع التواصل الاجتماعي التي تُجهَّز للاستخدام تدريجياً.
وتعكف هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات حالياً على إعداد دراسة لأفضل السبل التي تمكّن الأسر من امتلاك أدوات التحكّم الأبوي في المحتوى، بهدف توفير أكبر درجة حماية ممكنة للأطفال تجنباً لوقوعهم ضحايا للمواقع المشبوهة المنتشرة على الإنترنت. وكان مساعد المدير العام لشؤون الأمن، اللواء جمعان الغامدي، قد شدّد على أنّ ثمّة مساع جديّة لمحاربة الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الإنترنت. وقد أُدرِجت عقوبات جديدة في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية تتضمن عقوبات قاسية تصل إلى السجن والغرامات المالية.
من جهتها، تحذّر المتخصصة في الإعلام الإلكتروني منيرة البهيجان من أنّ "تقصير الأهل في متابعة ما يشاهده أطفالهم على الإنترنت هو ما يجعل الأخيرين عرضة للتحرّش عبر مواقع الشبكة. وهو تحرّش لا يقلّ خطورة عن التحرّش الفعلي (غير الافتراضي)، ويتسبّب في انحراف سلوكي خطير على حياة الطفل". وتوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "المنحرفين يستهدفون أيّ طفل متّصل بالإنترنت، فهم غير قادرين على ضبط رغباتهم". تضيف أنّ ذلك "يتسبب في انعزال الطفل عن محيطه، فيغرق أكثر ويتحوّل في نهاية المطاف إلى شخص مشوّه نفسياً. وقد بيّنت دراسات عدّة أنّ الطفل المعنف أسرياً والمهمل من قبل أسرته، هو أكثر عرضة من غيره لمثل هذه الاعتداءات".
في سياق متصل، تُوجَّه الاتهامات منذ سنوات إلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والجهات الأمنية بالتساهل في ملاحقة المتحرّشين بالأطفال واستغلالهم جنسيا، خصوصاً من الأقارب. يُذكر أنّ الجهات الصحية بقيت لسنوات طويلة تكتفي بعلاج الذين يقعون ضحية التحرّش من دون إبلاغ الجهات الرسمية.
وكانت وزارة العدل قد بيّنت في تقرير رسمي أنّ الدعاوى القضائية المتعلقة بحالات التحرّش والتي رفعت في عام 2014، بلغت ألفَين و797 قضية، أي بمعدّل سبع حالات تحرّش في اليوم الواحد. وقد أوضحت دراسة لـبرنامج الأمان الأسري الوطني أنّ 10 في المائة من أطفال السعودية تعرّضوا إلى التحرّش بمختلف أشكاله. لكنّ المتخصصة في الشؤون الاجتماعية هيا مبارك تشدّد على أنّ "الأرقام الرسمية لحالات التحرش أقلّ بكثير من تلك التي تقع على أرض الواقع". وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ "ضحايا التحرّش بمعظمهم لا يبلغون عمّا يحدث لهم، خصوصاً عندما يكون المتحرّش من الأقارب أو تعرّفوا إليه عبر الإنترنت. الخوف يجبرهم على الصمت". وتوضح أنّ "الإحصاءات الرسمية تشير إلى أنّ 18 في المائة فقط من حوادث التحرّش يُبلّغ عنها. ولو حسبنا عدد الحالات التي تُكشف، لوجدنا أنّنا أمام رقم مهول لم يُبلّغ عنه". وتلفت مبارك إلى أنّ "العيادات المتخصصة تستقبل حالات حرجة لأطفال اعتدي عليهم، بعضها يتطلّب تدخلاً جراحياً".