وقبل يوم واحد من الميلاد وتبادل الزيارات الأسرية على موائده، بدأ تراشق بين مجالس البلديات والحكومة المركزية في كوبنهاغن حول الحماية من الإرهاب.
وتبرّر السلطات نشر الكتل الإسمنتية، التي يجري تزيين بعضها بأزهار ونباتات طبيعية، بقدرتها على "الحد من دهس تجمعات المواطنين المتسوقين في شوارع المشاة". تغيّر المشهد هذا أشرف عليه جهاز الاستخبارات الدنماركي، بيت، التابع مباشرة بالمسؤولية إلى وزارة العدل.
المتجوّل سيلحظ عوائق الأعمدة الصلبة التي تقطع دخول السيارات إلى شوارع المشاة، وتفتح بطريقة خاصة على أصحاب المحال التجارية على امتدادها، ويمكن ملاحظة كيف أن المشاة يتحولون تلقائياً من السير وسط الطريق إلى جانبيه، مع نظرة متفحّصة للسائقين.
على خلفية هذه اللوحة غير الاعتيادية في دولة اسكندنافية، حيث لا يكاد يغلق الناس أبواب منازلهم وشققهم بالمفاتيح، وحيث تمكن مشاهدة عربات الأطفال الرضع النائمين مركونة أمام المحال بينما الأهل منشغلون بابتياع احتياجاتهم، تحمل نهاية العام المالي 2017 جدلاً علنياً هذه المرة حول من يجب أن يتحمّل فاتورة "تأمين الشوارع والمشاة من أعمال الإرهاب".
ويسود مجالس البلديات غضب من رمي حكومة المركز فواتير نهاية العام على كاهلها. والأمر ليس مالياً فحسب، بل يثير الانتباه إلى نزعة متزايدة تضيق ذرعاً بالتحكم المركزي.
جدل دفع بيسار الوسط المعارض، عبر محافظ كوبنهاغن عن الاجتماعي الديمقراطي، فرانك يانسن، إلى القول اليوم السبت إن "شعوري والمواطنين وزملائي في البلديات هو شعور بالظلم الشديد بفرض الدولة ودائرة الاستخبارات هذه التكاليف الزائدة علينا، التي سيكون مطلوباً منا أن نخصمها من أولوية رفاهية المواطن".
وفي كبريات المدن الأخرى، آرهوس وألبورغ وأودنسه، يشعر أعضاء مجالسها بحنق شديد لوصول رسالة من حكومتهم المركزية "ترفض فيها الحكومة دفع أية تكاليف متعلقة بالحماية الأمنية". وكانت نقابة البلديات (مظلة تمثل كل البلديات) قد طالبت في رسالة بشهر أغسطس/آب الماضي أن تتحمّل الحكومة وأجهزتها الأمنية التكاليف المالية، فيما الجواب حضر الآن لتستثنى أيضاً من موازنة 2018 أية مساهمة مركزية مستقبلية في الأمر.
الموازنة ركّزت على أموال مكافحة الإرهاب بطريقة مختلفة عما هو منتشر في الشارع لتأمينه عملياً.
التراشق الإعلامي وصل حد "التنغيص على أجواء الميلاد"، خصوصاً يسار الوسط، بذهاب وزير المالية كريستيان ينسن إلى سؤال استنكاري "لماذا فكرتم الآن فقط بأنكم لن تدفعوا تكاليف تأمين ضد الإرهاب في شوارعكم؟".
سؤال أتبعه بما أغضب البلديات التي توقّعت الحصول على "هدية الميلاد" من حكومتها، بقول الوزير "لدى البلديات أموال كثيرة في العام المقبل (بناء على ما منحها التفاوض على الموازنة)، وعليها أن تنظم أمورها لتكاليف الحماية من الإرهاب جنباً إلى جنب مع تكاليف تسيير المدارس وروض الأطفال والتوسع في العمران".
ولم تشفع أجواء الميلاد للمدن الدنماركية، ولا لمحاولة المجتمع الخروج في إجازة بدون أن ترهق جيوب المواطنين الضريبية، من تحول التراشق حول مسؤولية الحماية من الإرهاب، إذ قال عمدة مدينة آرهوس، الثانية بعد كوبنهاغن، الديمقراطي ياكوب بوندسغوورد "هذه مسؤولية وطنية مركزية يجب على البرلمان حلها في تبنيه الموازنة، فمخاوف التعرض للإرهاب ليست قضية محلية في الأقاليم (المحافظات) بل في البلد كله".
وإذا كانت بلدية آرهوس الثرية تضع ما يقرب من خمسة ملايين كرون للعمل ضد الإرهاب، فهي توفر هذا المال لقضايا ترتبط بتأهيل من تصفهم بالـ"متشددين" بين الشباب المسلمين. في حين أن حماية الشوارع والمصالح "هي مسؤولية الحكومة المركزية".
ويبدو أن المجتمع الدنماركي، الذي يشعر مواطنوه برضا لأنهم لم يتعرضوا لشيء حتى الذهاب إلى إجازة الميلاد، قد فوجئ بأصوات التراشق اليوم، وكأن الإرهاب إن ضرب يثير الجدل وإن لم يضرب يثيره أيضاً.