تُعَدّ النساء الحوامل وكذلك الأطفال الخدّج من أكثر الفئات التي تعاني بمناطق الشمال والشمال الغربي في سورية الخاضعة إلى سيطرة الفصائل الإسلامية والمعارضة المدعومة من تركيا. فالرعاية الصحية متردية من جرّاء النقص في الكادر المتخصص وكذلك في الأدوية والمكمّلات، إلى جانب الازدحام الشديد في المراكز المختصة ومن جهة أخرى صعوبة الوصول إليها لعدم توفّر وسائل نقل، وكلّ ذلك بالتزامن مع تراجع الدعم من قبل المنظمات الإنسانية والطبية المختلفة.
أمّ محمود جاروخ، من سكان ريف إدلب، تقول لـ"العربي الجديد": "أنا حامل بطفلي الثاني منذ خمسة أشهر"، شاكية من أنّ "مراجعة المركز أمر مجهد جداً، إذ إنّه يتوجّب عليّ اجتياز كيلومترات عدّة لأصل إليه فيما وسائل النقل هنا غير متيسّرة دائماً وكلفتها مرتفعة". وتتابع أنّ "همّ الطريق يبقى أخفّ من همّ الانتظار في المركز الذي يستغرق غالباً ساعات، والذي يرهقني (والحوامل عموماً)، أضف إلى ذلك همّ تأمين الأدوية والمقوّيات".
أمّ جابر مستو، حامل في شهرها السابع، من جبل الزاوية في ريف إدلب، تقول لـ"العربي الجديد": "كان لدينا مستشفى متخصص في شنان تعرّض إلى القصف في الفترة الأخيرة، فكنت أقصده لمراقبة حملي. كذلك كنت أستعدّ للوضع فيه، أمّا اليوم فلا أدري ماذا أفعل". تضيف أنّ "المشكلة تكمن في عدم امتلاك زوجي وسيلة نقل، فيما المستشفى الأقرب هو في معرّة النعمان واستئجار سيارة مكلف جداً بالنسبة إلينا"، مشيرة إلى مشكلة أخرى هي أنّ "ملفّي الطبي كان في المستشفى الذي تضرّر من القصف". وتعبّر أمّ جابر عن تخوّفها من أن "يحين موعد عملية الوضع من دون أن تتوفّر سيارة لنقلي، لا سيّما أنّ الطريق سيّئ، أو قد تكون المنطقة عرضة للقصف، ما يحول دون تمكّننا من التنقّل". وكان المستشفى التخصصي للنساء والأطفال في بلدة شنان بمنطقة جبل الزاوية قد قصف ليل السادس من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، علماً أنّه الوحيد الذي يقدّم خدمات من هذا النوع في المنطقة، فيستقبل مئات الحالات شهرياً من ولادات طبيعية وقيصرية إلى جانب الأطفال من عمر صفر حتى عام واحد. يُذكر أنّ الأهالي كانوا يؤمّنون كلفته التشغيلية، فيما يعمل الكادر فيه تطوعاً بعد توقّف الدعم قبل أشهر.
من جهتها، تقول زينة عبد الله، وهي من النساء الحوامل في ريف إدلب، لـ"العربي الجديد"، إنّه "في السنوات الأولى من الثورة كان الوضع كارثياً ولم تكن تتوفّر الخدمات اللازمة، أمّا اليوم فالأمور أفضل حالاً ولو بشكل متواضع. ففي البداية مثلاً كان من الصعب جداً العثور على أطباء متخصصين في الأمراض النسائية وكذلك الأطفال". تضيف: "لكنّ معاناتي تبقى كبيرة، على خلفيّة الازدحام لدى الطبيبة. وثمّة قلة من الأطباء يمكننا الوثوق بهم، إلى جانب قلّة مستشفيات التوليد المتخصصة، بالإضافة إلى صعوبة تأمين حليب الأطفال، وهذا بحدّ ذاته معاناة أساسية بالنسبة إلى العائلات".
في السياق، يقول المدير الطبي لـ"جمعية الأطباء الدوليين" (إيد)، في سورية، الدكتور محمد سليمان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجمعية أنشأت مركزاً لرعاية الحوامل في أطمة نقدّم من خلاله خدماتنا لنحو 500 امرأة شهرياً. فيه، تتمّ مراقبة الحمل من الشهر الأول حتى عملية الوضع. ونحن نقدّم في خلال هذه الفترة الأدوية والتحاليل والصور اللازمة، وبعد الولادة نراقب الطفل حتى بلوغه عامه الأوّل، ونقدّم بعض الأدوية مجاناً". ويلفت إلى "نقص في الكادر عموماً، بالإضافة إلى معوّقات أخرى، مثل صعوبة تأمين التيار الكهربائي. فنحن نعتمد على الطاقة الشمسية، غير أنّ ذلك غير ممكن في فصل الشتاء، لذا اضطررنا إلى الاعتماد على مولّد للكهرباء وهو في حاجة إلى محروقات في ظلّ صعوبة تأمينها. وفي حال توفّرت المحروقات، فإنّ كلفتها كبيرة. كذلك ثمّة نقص في بعض الأدوية، لا سيّما تلك الخاصة بالأطفال".
أمّا رئيسة قسم الصحة الإنجابية في مديرية صحة إدلب، بتول خضر، فتقول لـ"العربي الجديد": "لدينا هنا 80 مركزاً تقدّم خدمات للحوامل والنساء المرضعات، منها 17 مركزاً تستقبل الولادات على مدار الساعة، لكنّها بمعظمها من دون دعم فيما أوقف عدد من المراكز عن العمل". تضيف: "لدينا كذلك 24 مستشفى للأمراض النسائية يقدّم خدماته على مدار الساعة، لكنّ تراجع الدعم أدّى إلى تراجع كبير في جودة الخدمات المقدّمة، الأمر الذي يضاعف الضغط على المراكز المدعومة حتى اليوم". وتشير خضر إلى أنّ "ثمّة عيادات متنقلة لتقديم الخدمات في المخيمات، وتسعى مديرية الصحة إلى متابعة الحوامل والمرضعات اللواتي يقصدنها".
من جهة أخرى، يقول رئيس قسم الدراسات في مديرية صحة حلب، محمد سعيد اليوسف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ثمّة نقصاً في دعم الكلفة التشغيلية للحاضنات، في عدد من المستشفيات حيث تتوفّر". لكنّه يكشف أنّ "نسبة النقص في الاحتياجات تبلغ نحو 30 في المائة، وسط نقص في عدد الأطباء المتخصصين في الأمراض النسائية وفنيّي عناية الحاضنات"، لافتاً إلى أنّ "مقدّمات الخدمات في مراكز الرعاية الأولية هنّ بمعظمهنّ من القابلات، أمّا الأطباء فموجودون فقط في المستشفيات".