تعلو أصوات في موريتانيا مطالبة بتغيير النشيد الوطني، بسبب لحنه وكلماته التي يرى كثيرون أنها لا تعبّر عن تطلعاتهم ولا تحثّ على الدفاع عن الوطن وشحذ الهمم. هؤلاء يبتغون نشيداً جديداً زاخراً بالمعاني الوطنية وعزة النفس، يتغنى بروح الانتماء وبالتاريخ والأمجاد.
وخلقت المسألة جدالاً بين من يرى أن ثمّة ضرورة لتغيير نشيد لا يثير مشاعر العزة والانتماء، وبين من يراه نشيداً معبّراً ترسّخ في ذاكرة الأجيال منذ الاستقلال. ويحتدم النقاش بين الأكاديميين والسياسيين والكتّاب في الملتقيات الفكرية والمجالس وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وبلغ الأمر القصر الرئاسي، إذ أكدت مصادر مطلعة أنه يتجه إلى اتخاذ قرار بتغيير النشيد من ضمن خطة محكمة تشمل تغييرات عدّة.
والنشيد الذي كتبه الشاعر باب ولد الشيخ سيديا ولحّنه الفنان سيدات ولد آب وبثّ للمرة الأولى في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1960 بمناسبة استقلال البلاد، طُرح تغييره بداية من ضمن خطة "موريتانيا الجديدة" التي اعتمدها سياسيون في عام 2008 كأرضية فكرية لحكم الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز. لكن مراقبين يشيرون إلى أن زيادة المطالب القائلة بتضمين النشيد الجديد كلمات من اللهجات المحلية وخشية السلطات من تأثير ذلك على النعرات القبلية في بلد يبحث عن الوحدة والتآلف بين شرائحه، جعلها تؤجّل تغييره.
بالنسبة إلى عبد الله ولد خونا (موظف)، فإنه يرى أن كلمات النشيد "ليست حماسية ولا تعبّر عن التاريخ والأمجاد، وهي غير قادرة على تحريك المشاعر". ويضيف أنه "لا يحقق نشوة الاعتزاز بالوطن والفخر بالتضحيات ﻭلا يعبّر ﻋﻦ ﻗﻴﻢ ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ. هو مجرّد ﻮﻋﻆ ﺪﻳﻨﻲ يغيب عنه كل ما يميّز الأناشيد الوطنية". ويشير إلى أن "الشباب يطالبون بنشيد يبعث الشعور الوطني ويزيد من الوحدة والتآلف في بلد يتميز بالتنوع العرقي".
أما خالد ولد محمد يوراه (طالب جامعي) فيقول: "أجد ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ مع النشيد الخالي من كلمة بلادي أو وطني أو موريتانيا، بينما الأمر مختلف مع أناشيد ﺒﻠﺪﺍﻥ أﺧﺮى تحرّك المشاعر وترفع روح الوطنية". ويرى أن "من حق موريتانيا، بلد المليون شاعر، أن تحصل على نشيد حقيقي من أحد شعرائها، تكون له كلماته ودلالته ويرفع الروح الوطنية ويتغنى بالتاريخ والأمجاد".
ويقدّم شعراء معروفون اقتراحات لنشيد وطني جديد، فيما يعبّر آخرون عن دعمهم لفكرة التغيير واستعدادهم لنظم آخر. لكن تياراً آخر يرفض المساس بالنشيد الوطني الذي يعدّه رمزاً للدولة، وقد حُفظ في ذاكرة الأجيال منذ الاستقلال. ويشير إلى أن المسألة سبق أن أثيرت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ولم تنجح الأصوات المطالبة بتغيير النشيد في تحقيق مرادها. ويضيف أن كلّ ما قامت به هو فتح المجال أمام الجدال والاختلاف.
في هذا الإطار، يقول الباحث الاجتماعي محمد أحمد ولد أيده إن "التيار الرافض لتغيير النشيد يرى أن الاقتراح سيفتح المجال أمام الدعوات الطائفية والعنصرية التي تسعى إلى خلق شرخ في هوية البلد وتركيبته الاجتماعية، من خلال فرض لهجات محلية في النشيد". ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "لا مشكلة في تغيير النشيد الحالي الذي لا يحفظ الموريتانيون بغالبيتهم، إلا مقدمته. لا مشكلة إذا حصل عليه اتفاق، واختيرت كلمات وألحان قوية ومناسبة تعكس الهوية وتكون حماسية قادرة على تحريك مشاعر المواطنين".
وفي حين يأمل المطالبون بتغيير النشيد بنجاح جهودهم ودفع النظام الحاكم إلى تغييره، تتباين تصريحات المسؤولين ما بين قبول ورفض. بعضهم لا يعدّ تغيير النشيد أولوية وطنية، وآخرون يمنحون شحنة أمل للمطالبين بتغييره.
تجدر الإشارة إلى أن قصّة النشيد هي الدافع الحقيقي وراء المطالبة بتغييره "إذ هو لا يصلح نشيداً وطنياً". هو "موعظة دينية" كتبها باب ولد الشيخ سيديا قبل الاستقلال بثلاثين عاماً، بالتالي هو نشيد سابق لتأسيس الدولة ولم يُكتب لها. وتبدأ قصة النشيد حين كان الرئيس المؤسس لموريتانيا الراحل المختار ولد داداه يبحث عن نشيد بعدما رفض اقتراحاً، وبسبب ضيق الوقت وحتى لا تضيع فرحة انتزاع الاعتراف الدولي بوطن كان لا يزال في طور التشكّل، قبل بنشيد قديم مطلعه "كن للإله ناصرا".
كذلك قبل به الموريتانيون حتى مطلع الثمانينيات، حين عبّرت النخبة الفكرية والسياسية عن رفضها للنشيد، فاستدعى الرئيس آنذاك محمد خونه ولد هيداله الشاعر المعروف أحمدو ولد عبد القادر وكلّفه بكتابة نشيد وطني جديد، وبعد أيام أطاح انقلاب عسكري بحكم الرئيس ولد هيداله وألغي مشروع تغيير النشيد.
اقرأ أيضاً: شهر عسل بدل حفل الزفاف في موريتانيا