أشعلت تعليقات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول المهاجرين الوافدين من أميركا اللاتينية وأفريقيا ووصفه بلدان هؤلاء بـ"حفرة القذارة"، المشاعر العنصرية في المجتمع الأميركي الذي يعرّف نفسه بأنّه مجتمع مهاجرين. وطاولت الإهانة العنصرية التي وجّهها ترامب إلى المهاجرين من هايتي والسلفادور ونيجيريا عدداً كبيراً من الأميركيين من ذوي الأصول اللاتينية والأفريقية وحتى الأوروبية، خصوصاً البلدان التي كان قد تعرّض أبناؤها المهاجرون لتمييز عنصري في الولايات المتحدة الأميركية خلال حقبات معيّنة، مثل إيطاليا وأيرلندا ودول أوروبا الشرقية التي عدّها العنصريون الأميركيون في ذاك الوقت "بلداناً قذرة" كذلك.
وزادت استفزازات ترامب الجديدة من وتيرة التظاهرات التي قامت في عدد من المدن الأميركية قبل أيام للتضامن مع المهاجرين من السلفادور وهايتي الذين استهدفتهم قرارات ترامب الأخيرة، وللدعوة إلى إقرار قانون عادل للهجرة يجد حلولاً قانونية سريعة لنحو 800 ألف من أبناء المهاجرين غير الشرعيين من دول أميركا اللاتينية المشمولين ببرنامج "داكا" أو "العمل المؤجّل للطفولة الوافدة".
تجدر الإشارة إلى أنّ ترامب نفى في تغريدة له على "تويتر" ما نُقِل عن لسانه واتّهم المسرّبين بالكذب، في حين نقلت محطة "سي إن إن" عن صديق لترامب قوله إنّه "أحبّ" ردود الفعل الواسعة على التعليقات المنسوبة اليه. وبحسب الصديق نفسه، فإنّ "ترامب يهوى الذهاب بالأمور إلى حافة الهاوية ليثبت للجمهور أنّه لن يسقط".
ومحاولة ترامب استثمار مناسبة اقتراب تاريخ عيد ميلاد مارتن لوثر كينغ، الزعيم الأميركي الأسود ورمز حركة الحقوق المدنية ومكافحة التمييز العنصري في الولايات المتحدة الأميركية، لإبعاد شبهة العنصرية عنه، لم تكن موفّقة. وقبل ثلاثة أيام من المناسبة التي تحييها الولايات المتحدة غداً الإثنين في 15 يناير/ كانون الثاني، أقام ترامب على وجه السرعة حفل تكريم في البيت الأبيض، دعا إليه ابن خالة مارتن لوثر كينغ. لكنّ المفارقة أنّه وبعد إلقاء ترامب كلمة إشادة بدور مارتن لوثر كينغ في التاريخ الأميركي الحديث وبنضاله ضد العنصرية، انهالت عليه أسئلة الصحافيين وأحدها: "سيادة الرئيس هل أنت عنصري؟". لم يجب ترامب على هذا السؤال مثلما لم يجب عن أسئلة أخرى.
ولعلّ الأشد خطورة من تعليقات ترامب العنصرية نفسها، ردود الفعل عليها في أوساط قاعدته الشعبية والأصوات الإعلامية التي دافعت عنها وتحديداً في محطة "فوكس نيوز" الناطقة بلسان المحافظين في الحزب الجمهوري. وهؤلاء رأوا أنّ مفاضلة ترامب ما بين المهاجرين من هايتي ومن النرويج في محلها وتعبّر عن رأي سائد في الشارع الأميركي. كذلك سُجّلت محاولة من بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين شاركوا في جلسة البيت الأبيض، لنفي ما نُقِل عن لسان الرئيس، لكنّها باءت بالفشل بعد تأكيدات السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا لندسي أولين غراهام الذي كان من بين الحاضرين، أنّ الرئيس وجّه إهانات وتعليقات عنصرية.
وقد سارع أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي من الذين كانوا حاضرين في تلك الجلسة إلى إعلان تفاصيل ما قاله الرئيس من تعليقات عنصرية مهينة، ودعوا زملاءهم في الحزب الجمهوري إلى كسر جدار الصمت والإعلان أمام الرأي العام عن حقيقة ما قاله ترامب في الجلسة وإدانة تعليقاته العنصرية لأنّها تسيء إلى صورة الولايات المتحدة الأميركية وعلاقاتها الدولية.
وجاء الكشف عن تعليقات ترامب العنصرية التي لم تنفرد بها صحيفة "نيويورك تايمز"، إذ إنّ معلومات عن جلسة البيت الأبيض المغلقة التي عُقدت الخميس الماضي، سُرّبت إلى صحيفة "واشنطن بوست" ومحطتَي "سي إن إن" و"إن بي سي"، في خضمّ حرب إعلامية شرسة ترافق جلسات التفاوض بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري من أجل التوصّل إلى صفقة يبدو أنّها وصلت الى طريق مسدود. فعاد ترامب الى معادلة "الجدار" مقابل "الحالمين" التي يرفضها الديمقراطيون.
"مجتمع البِيض"
على خلفيّة كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير، اتّهمته السيناتور الديمقراطية دايانا فيرنستاين بالعنصرية، قائلة إنّه يسعى إلى إقامة "مجتمع البِيض"، في إشارة إلى تفضيله المهاجرين البيض الوافدين من النرويج على المهاجرين الملوّنين الوافدين من أفريقيا أو أميركا اللاتينية.