"عند الساعة الحادية عشرة، لدينا استراحة لنصف ساعة. سوف أذهب إلى البالة. الأطفال يحتاجون إلى أحذية، ربما أجد لهم شيئاً هناك". في الحافلة العامة التي تقلها إلى المركز حيث تتعلّم اللغة الدنماركية، تخبر أم محمد صديقتها أم سعيد عن نيّتها التوجّه إلى محلّ للثياب والبضائع المستعملة خلال تلك الاستراحة.
أم محمد لاجئة سورية تستقرّ في الدنمارك مع زوجها وأطفالها الأربعة، لتتقاضى عائلتها شهرياً 3500 كرون دنماركي (نحو 532 دولاراً أميركياً) من الدولة. لكنّ هذا المبلغ متواضع جداً، إذ يتراوح مثلاً كيلوغرام اللحمة المفرومة الواحد ما بين 60 و70 كروناً (9.10 - 10.65 دولارات) ويبلغ سعر كيلو الدجاج 30 كروناً (4.6 دولارات). إلى ذلك، ثمن حذاء طفل صغير من نوعية جيّدة، لا يقلّ عن 300 كرون (نحو 46 دولاراً). يُذكر أنّ مخيمات اللاجئين بعيدة عن تجمعات العرب وأسواقهم في المدن، لكنّ حافلة للصليب الأحمر تنقلهم شهرياً ليتبضعوا.
في بعض أرقام، نشير إلى أنّ أي نادٍ رياضي لا يقلّ بدل اشتراكه الشهري عن 250 كروناً (38 دولاراً)، في حين قيمة بطاقة الحافلة الشهرية 400 كرون (نحو 61 دولاراً) وبطاقة القطارات الداخلية بين آرهوس وكوبنهاغن مثلاً لا تقلّ عن 850 كروناً (130 دولاراً) ذهاباً وإياباً.
تجدر الإشارة إلى أنّ كثيرين في المجتمع الاسكندنافي المرتكز على "دولة الرفاهية"، حتى من بين المهاجرين القدامى، لم يصدّقوا ما نقلته "العربي الجديد" من المخيّم المؤقت عن المهاجرين طالبي اللجوء الذين كانوا في انتظار حسم مصيرهم، في عددها الصادر في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2015. لم يصدّقوا أنّ هؤلاء يعيشون في ما يشبه سجناً مفتوحاً.
على الرغم من أنّ أم محمد وصديقتها حاصلتان على الإقامة وتداومان في مدرسة لتعليم اللغة، إلا أنّ التشديدات الاقتصادية التي لا تمنح أمثالهما عملاً سريعاً لتدبّر أمورهم في فترة الدمج، تعقّد الأوضاع. وكانت منظمات حقوقية واجتماعية كثيرة قد احتجت على ما يسمى "مساعدة البداية" التي هي متواضعة جداً (للعازبين أقل من 340 دولاراً). وتقول الناشطة بيرتا ستفسن إنّ "هذه السياسات تخلّف فقراً وهي تهدف بحسب اليسار إلى تطفيش اللاجئين وإرسال إشارة إلى غيرهم بألا يأتوا إلى بلادنا".
في منطقة نيستفيد، شمال العاصمة كوبنهاغن، عاينت الممرضة راندي يورتهولم عائلة سورية. تكشف أنها خلال فحصها الأطفال، وجدت أنهم "يعانون من الجوع". وتعيد السبب إلى "إجبار العائلة على القبول بالشروط الموضوعة عليهم للبقاء في البلاد. بعد 11 يوماً فقط من تلقي الوالدة وأطفالها الخمسة مبلغ 3500 كرون ليغطّوا به شهراً كاملاً، لم يبقَ لديهم مالاً كافياً لتأمين الخبز". تضيف: "على الأم أن تتدبّر أمور ستة أشخاص بهذا المبلغ. الأطفال لا يحصلون على الطعام الكافي، وهم على حافة الجوع. يتدبّرون أحياناً أمورهم بمساعدات، لكن رسمياً لا أحد يكترث". وقد عمدت يورتهولم إلى شراء بعض الأطعمة لتلك العائلة على نفقتها الخاصة، "لأنني لم أعد أتحمل اللامبالاة التي يتعامل بها الموظفون في البلديات ومراكز رعاية الأطفال والشباب".
في هذا السياق، تحذّر بعض المنظمات من تشكّل مجتمعات هامشية وفقيرة جداً في البلاد الغنية التي تتغنى بالرفاهية. وتنتقد الأوضاع المزرية التي تعيشها عوائل مهاجرة ولاجئة في الضواحي، والفروق الشاسعة بينها وبين طبقات أخرى في المجتمع.
أم محمد، تحاول التستّر على أوضاع عائلتها الاقتصادية. تقول إنّ "كثيرين يخافون أن يؤخذ منهم أطفالهم، فيصمتون على وضعهم. بإمكان القانون أن يتهمهم بالتقصير تجاه أولادهم. لكن كيف يمكننا تدبر أمورنا بهذا الشكل؟ لو منحوني عملاً، أي عمل، لما اضطررت إلى تحمّل المعاناة". أما صديقتها أم سعيد، فتكتفي بالقول: "الله يجازي من كان السبب". وتسأل: "هل يريدون منا أن نصبح شعباً متسولاً؟".
من جهة أخرى، ثمّة مبادرات شبابية يطلقها بصمت بعض العرب لمساعدة هؤلاء. لكنّ مشكلة كبيرة تواجههم في تقديم المساعدات بعد جمعها من أسواق عربية. يقول أبو باسل: "مشكلة هذا الشعب السوري، مشكلة حقيقية. أنت تعرف ظروف لجوئهم، وهم يعرفون أنك تدرك ما يتلقون. فيقولون لك بإباء: شكراً. الحمدلله ميسرة، قبل أن يوجّهوك إلى غيرهم". يضيف: "من الصعب إقناع أي منهم، فتلتفّ على الوضع من خلال الأطفال الذين لا يستطيعون إخفاء الظروف التي يعيشونها".