وافق مجلس النواب المصري، بصفة نهائية، على مشروع قانون التأمين الصحي الشامل، من دون توافر النصاب القانوني اللازم للتصويت في جلسته المنعقدة اليوم، الإثنين، وهو القانون الذي أعدّته الحكومة، ويعول عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي لتصويره "كأحد الإنجازات في فترة ولايته الأولى"، خلال إعلان ترشحه مجدداً للانتخابات الرئاسية مطلع العام المقبل.
ورغم مطالب العديد من النواب بإلغاء عقوبة الحبس من مواد القانون، غير أن رئيس البرلمان، علي عبد العال، تمسك بالإبقاء عليها، بعد حديث وزير شؤون مجلس النواب، عمر مروان، عن أن أي اعتداء على أموال الهيئات الثلاث المنصوص عليها في القانون يعد جناية باعتبار أنها من الأموال العامة.
ونص القانون على عقوبة الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 2000 جنيه، ولا تتجاوز 10 آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من أعطى بيانات غير صحيحة، أو امتنع عن أعطاء البيانات المنصوص عليها في هذا القانون، أو في اللوائح المنفذة له، إذا ترتب على ذلك الحصول على أموال من الهيئة بغير حق.
وانسحب العشرات من النواب الرافضين للقانون، عند أخذ الرأي النهائي عليه، اعتراضاً على ما اعتبروه "تمهيداً لخصخصة المستشفيات الحكومية"، وهو ما رد عليه عبد العال، بقوله: "من يتغيب عن هذه القاعة سيكون التاريخ شاهداً عليه.. والإصرار على الاعتماد على نظام للتأمين الصحي لا يحمل الفقراء أي أعباء، سيؤدي بالضرورة إلى فشل النظام الجديد".
وأضاف عبد العال أن "المجانية تسببت في فشل نظام التأمين الصحي السابق، وكل دول العالم تحمل المواطنين جزءاً من المساهمات، والحديث عن أن النظام مجاني قد يدغدغ مشاعر المواطنين، غير أنه يصطدم بالواقع المر، لأن اقتصاد مصر ليس قوياً، حتى تتكفل الدولة بكل أموال العلاج، ولا بد من أن يدفع متلقي الخدمة، لأن العلاج المجاني أثبت فشله".
وحول تمويل النظام الجديد، تم إقرار المنح الخارجية والداخلية، والقروض التي تعقدها الحكومة لصالح هيئة التأمين، والهبات والإعانات والتبرعات والوصايا التي يقبلها مجلس إدارتها، وتمثلت في خفض النسبة المقتطعة من قيمة مبيعات الشركات المساهمة والأفراد والمنشآت الاقتصادية كافة، إلى 0.250 في المائة.
وأبقى البرلمان على النص الخاص بتحصيل 75 قرشاً من قيمة كل عبوة سجائر مباعة في السوق المحلي، سواء كانت محلية أو أجنبية الإنتاج، مع زيادة تلك القيمة كل ثلاث سنوات بقيمة 25 قرشاً أخرى حتى تصل إلى جنيه ونصف الجنيه، إلى جانب تحصيل 10 في المائة من قيمة كل وحدة مباعة من مشتقات التبغ من غير السجائر.
وكان رئيس ائتلاف دعم مصر، ممثل الغالبية في البرلمان، محمد السويدي، طالب بفرض نسبة مئوية على أسعار السجائر، بدلاً من توحيدها بقيمة 75 قرشاً على كل عبوة، في ضوء تباين أسعارها، اقتداءً بفرض نسبة 10 في المائة على أسعار التبغ، وهو ما ردت عليه الحكومة بصعوبة الاستجابة لاقتراحه، نظراً لفرض زيادة في ضريبة القيمة المضافة على السجائر قبل أسابيع قليلة.
كما وافق البرلمان على تحصيل ألف جنيه عن كل سرير عند استخراج تراخيص المستشفيات والمراكز الطبية، ومبلغ يتراوح بين ألف و15 ألف جنيه عند التعاقد مع نظام التأمين الجديد، بالنسبة للعيادات الطبية، ومراكز العلاج، والصيدليات، وشركات الأدوية، وفقاً للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية، بدلاً من 20 ألف جنيه للصيدليات، و10 آلاف جنيه للعيادات.
وقال نائب وزير المالية، محمد معيط، إن السنوات السابقة شهدت محاولات عدة للخروج بنظام جديد للتأمين الصحي، إلا أنها لم تكتمل "تخوفاً من عدم نجاح المنظومة الجديدة، في ضوء الأعباء المالية المصاحبة لها"، وأن "الحكومة راعت العدالة في المسودة الأخيرة للقانون، وتحمل الدولة لأعباء غير القادرين"، في حين لم يضع القانون تعريفاً محدداً لهم.
وأضاف أن "النظام التأميني لا بد أن يكون قادر مالياً على تقديم خدمة صحية جيدة، عوضاً عن انهيار المنظومة الجديدة بعد سنوات قليلة، مثلما حدث في بعض الدول، نظراً للاشتراكات المنخفضة"، متابعاً "حاولنا قدر الإمكان تحقيق التوازن المالي، وتحقيق فوائض مالية في سنوات العمل بالقانون، تجاوز مرحلة العجز في السنوات الأولى لتطبيقه".
وحدد مشروع القانون، اشتراكات العاملين المؤمن عليهم، من الخاضعين لأحكامه، بنسبة 1 في المائة من أجر الاشتراك، و3 في المائة عن الزوجة غير العاملة، أو التي ليس لها دخل ثابت، و1 في المائة عن كل مُعال أو ابن، بحيث يكون الاشتراك 5 في المائة من الأجر التأميني، أو من الأجر وفقاً للإقرار الضريبي، أو الحد الأقصى للأجر التأميني (أيهما أكبر).
ونص القانون على ألا يزيد مجموع ما يسدده الفرد عن كل الأسرة عن 7 في المائة، وتتحمل الحكومة فرق التكلفة، مع إقرار 2 في المائة من قيمة المعاش الشهري لأصحاب المعاشات، و4 في المائة نظير خدمات تأمين المرض، والعلاج، وإصابات العمل، من إجمالي أجر الاشتراك للعاملين المؤمن عليهم، بحد أدنى 50 جنيهاً شهرياً.
اقتراحات مرفوضة
ورفض البرلمان اقتراح النائب صلاح عبد البديع، بفرض نسبة رسوم 5 في المائة على إعلانات الصحف، ووسائل الإعلام، والحفلات الفنية والرياضية، من ضمن مصادر تمويل منظومة التأمين، واقتراح آخر من النائب عفيفي كامل بفرض نسبة 3 في المائة على كل مواطن يتجاوز داخله أكثر من 25 مليون جنيه، بدعوى أن هناك ضرورة في فرض الرسوم على الأغنياء لدعم التأمين الصحي.
كما رفض المجلس اقتراح وكيل لجنة الصحة في البرلمان، أيمن أبو العلا، بفرض 10 جنيهات على كل خط هاتف يستخدم في مصر، وقرش على كل دقيقة يتم استخدامها من قبل المواطنين، لزيادة مصادر التمويل، أو النزول بنسبة الزوجة المعيلة في رسوم القانون إلى 2 في المائة بدلاً من 3 في المائة، بحسب ما ورد في مشروع الحكومة.
ورُفض أيضاً اقتراح مقدم من رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، علاء عابد، بزيادة الرسم المفروض كل عام عند استخراج أو تجديد رخصة تسيير السيارات، التي تزيد سعتها اللترية عن 2 لتر، من 300 جنيه إلى 400 جنيه، وزيادة القيمة المفروضة على كل عبوة سجائر إلى 50 قرشاً كل عامين، بدلاً من 25 قرشاً لكل 3 سنوات.
دراسة تعجيزية
ورداً على اتهام نواب للحكومة بإرسال "دراسة تعجيزية" إبان التصويت، قال وزير المالية، عمرو الجارحي، إن الحكومة عملت على الدراسة لمدة خمسة عشر شهراً، وتضمنها 31 سيناريو للحسابات وفق عدد السنوات، معتبراً أن القانون يمثل قفزة هامة في مسار الدولة المصرية، وهو ما أيده نائبه، محمد معيط، بقوله إن "الدراسة تتضمن 8 آلاف صفحة، واستغرق إعدادها سنوات".
من جهته، قال عبد العال، إن "أي خلل في الدراسة سيؤدي إلى سقوط نظام التأمين الصحي، وما سيتبعه هذا السقوط من آثار غاية في الصعوبة على المجتمع"، مضيفاً أنه لا يملك إلزام الحكومة بتلخيص تلك الدراسة من الناحية الدستورية، ولو قدمت الملخص من نفسها، أو بناءً على طلب النواب "يبقى كتر خيرها".
نحو خصخصة المستشفيات
وقال وزير الصحة، أحمد عماد الدين، إن نظام التأمين الصحي الجديد وحدته الأساسية هي الأسرة، وليس الفرد، موضحاً أنه خلال فترة التجنيد الإلزامي للذكور "يتم حرمان المجند فقط من خدمات نظام التأمين الصحي، كونه يخضع للرعاية الطبية الخاصة بالقوات المسلحة أثناء فترة خدمته، والتي استثناها القانون من نصوصه".
وجدد النائب هيثم الحريري تحذيره من أن القانون "لم يوضح مصير المستشفيات الحكومية غير المطابقة لمعايير الجودة، وخطورة طرحها للبيع أمام القطاع الخاص، عقب خروجها من نظام التأمين الصحي الجديد"، في إشارة إلى نوايا الحكومة الحقيقية وراء طرح القانون، استناداً إلى رؤية السيسي، الرامية إلى خصخصة مستشفيات الدولة.
وانتهى مجلس النواب إلى منح صفة الضبطية القضائية لجميع العاملين بالهيئات الثلاث، التي تنشأ بموجب القانون، وتنظيم اختصاصاتهم بقرار من وزير العدل، مع النص على حقهم في دخول أماكن تقديم الخدمة الطبية، وتفتيشها، وفحص ما بها من معدات أو أجهزة أو أدوية، أو غيرها من المستلزمات الطبية أو العلاجية، والاطلاع على السجلات والدفاتر والمستندات وسائر الأوراق فيها.
الهيئات الثلاث
ونص القانون على إنشاء "الهيئة العامة للتأمين الصحي الاجتماعي الشامل"، لتولي إدارة وتمويل النظام الجديد، وتكون أموال المشتركين بها أموالاً خاصة، تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة، على أن تكون هي وعوائدها حقاً للمستفيدين منها، وتُستثمر استثماراً آمناً، وفقاً لاستراتيجية استثمار تُحدد قواعدها اللائحة التنفيذية لهذا القانون، مع تشكيل لجنة دائمة تختص بتسعير قائمة الخدمات الطبية التي يتم التعاقد على شرائها.
كما نص على إنشاء "الهيئة العامة للرعاية الصحية"، لتكون أداة الدولة الرئيسية في ضبط وتنظيم تقديم الخدمات الصحية التأمينية، بحيث تتولى تقديم خدمات الرعاية الصحية والعلاجية بكافة مستوياتها الأولية، والثانوية، والثلاثية، داخل أو خارج المستشفيات لجميع المؤمن عليهم داخل البلاد، من خلال منافذ تقديم الخدمة التابعة لهيئة التأمين الصحي.
ووفقاً للقانون، تنشأ "الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية" تحت الإشراف العام لرئيس الجمهورية، للإشراف والرقابة على جميع المنشآت الطبية، وأعضاء المهن الطبية العاملين في قطاع تقديم الخدمات الطبية والصحية، ووضع معايير الجودة، إلى جانب إلغاء أو إيقاف الاعتماد والتسجيل لأعضاء المهن الطبية في حال مخالفة أي من الاشتراطات المطلوبة.