سائقو سيارات الأجرة "أوبر" قلقون اليوم، فهم قد يخسرون مصدر رزقهم، وقد يجدون أنفسهم قريباً جداً، عاطلين من العمل، لا سيّما وأنّ بريطانيا تهدّد بعدم تجديد رخصة الشركة.
تواجه شركة سيارات الأجرة "أوبر"، في بريطانيا، تهديداً بوقف عملها في حال خسرت معركتها مع هيئة النقل في لندن "تي إف إل"، التي رفضت تجديد رخصتها، في ظلّ انتقادات تتعلق بالسلامة العامة. ولعلّ أبرز تلك الانتقادات، ما يتعلّق بمسألة التحرّش الجنسي، إذ طردت شركة "أوبر" ما لا يقل عن 20 موظفاً بعد تحقيق داخلي أتى في إثر ادعاءات بالتحرّش الجنسي. يُذكر أنّ مهندسة أوبر السابقة، سوزان فاولر، صرّحت بأنّ الشركة فشلت في التعامل مع شكاوى التحرّش الجنسي وشكاوى التمييز بين الجنسَين.
وقرار رفض تجديد الرخصة شكّل صدمة لدى مسؤولي "أوبر"، بعدما أظهرت البيانات الصادرة بموجب قانون حرية المعلومات، أنّ هيئة نقل لندن أجرت عشر عمليات تفتيش في مقرّ هذه الشركة، وبيّنت أنّها ملتزمة بالمعايير المطلوبة. كذلك، اجتازت "أوبر" بنجاح التدقيق السنوي في إبريل/ نيسان الماضي، بعدما شارك نحو 20 مسؤولاً من إدارة التراخيص التابعة لهيئة نقل لندن في مراجعة آلاف الوثائق.
وتجاهد "أوبر" للحفاظ على رخصتها في العاصمة البريطانية لندن التي تعد سوقاً رئيسية لها، وتؤكّد أنّ هذا القرار سيؤدي إلى فقدان 40 ألف سائق عمله، وسيحرم سكّان وزائري لندن من وسيلة نقل مريحة أسعارها معقولة. في السياق نفسه، حاولت "العربي الجديد" التواصل مع مكتب "أوبر" في لندن، بيد أنّ محاولاتها باءت بالفشل. كذلك حاولت التواصل مع هيئة نقل لندن التي تجاهلت استفساراتها كذلك. يُذكر أنّ رئيس "أوبر" الجديد دارا كوسروشاهي الذي تولّى منصبه في أغسطس/ آب الماضي عقب استقالة سلفه ترافيس كالانيك بعد سلسلة من الفضائح، أدلى بتصريح اعتذر فيه عن الأخطاء التي ارتكبتها الشركة، معلناً أنّ "أوبر" سوف تتحدّى قرار رفض الترخيص ومؤكداً على ضرورة تغيير بعض الأمور.
القضية بدأت في سبتمبر/ أيلول الماضي، حين قرّرت هيئة لندن للنقل أنّ هذه الشركة "غير مناسبة" و"غير سليمة" لمنحها رخصة. وأثيرت تساؤلات عدّة حول الأسباب الخفية لمحاولة إيقاف "أوبر"، منها التمييز العنصري، إذ إنّ سائقي هذه الشركة بمعظمهم من إثنيات وأعراق مختلفة، من الذين هاجروا إلى بريطانيا، علماً بأنّه من المتعارف عليه أنّ العمل في هذا المجال محصور بالطبقة المتوسطة البيضاء.
وسائل نقل لندن (أحمد الداوودي) |
وقد واجه عمدة لندن، صديق خان، انتقادات حول تدمير "شريان الحياة" لعشرات آلاف السائقين من أصول عرقية مختلفة. وبحسب ما جاء في صحيفة "ذا تلغراف"، فإنّ 90 في المائة من سائقي "أوبر" من أصول عرقية مختلفة. كذلك وصف الرئيس السابق للفريق الاستشاري للأقليات الإثنية التابع لإدارة العمل والمعاشات في بريطانيا، إقبال وهاب، هذه الخطوة بأنّها تصنَّف خرقاً لواجب هيئة نقل لندن لتجنّب التمييز. وكتب في مقال نشرته صحيفة "إنترناشيونال بزنس تايمز"، أنّ "ثمّة تفاوتاً كبيراً في الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين من إثنيات مختلفة". من جهتها، نشرت صحيفة "ذا نيويورك تايمز" مقالاً عن التمييز العنصري ضدّ "أوبر" حمل عنوان "منع أوبر لندن يثير أسئلة حول الأعراق والهجرة".
تشير إحصاءات عام 2011 إلى أنّ 14.6 في المائة من سكان بريطانيا هم من أصول عرقية مختلفة. أمّا إحصاءات عام 2015، والمتعلقة بسائقي سيارات الأجرة، فتشير إلى أنّ ثلاثة آلاف و412 سائقاً هم من أصول غير بريطانية أو بيضاء، وهو ما يعني نحو 14.5 في المائة من عموم السائقين. ولا تشمل هذه النسبة السائقين اليهود، الذين يمثّلون ثاني أكبر نسبة من العاملين في مجال قيادة سيارات الأجرة.
وعلى الرغم من أنّ دخول "أوبر" إلى لندن خلق فرص عمل للآلاف، فإنّه أضرّ بعمل سائقي سيارات الأجرة السوداء (بلاك كاب)، الشهيرة في لندن. وأدّى الفارق الكبير في الأسعار بين الشركتين إلى اختيار 3.5 ملايين مستخدم خدمة "أوبر". لكنّ هذا لا يلغي أنّ البعض ما زال يفضّل استخدام "بلاك كاب"، على غرار لوفينيا وهي طالبة إيطالية تدرس في لندن. تقول لـ "العربي الجديد" إنّ الاختبارات التي يخضع لها هؤلاء السائقون قبل بدء العمل تشعرها بالأمان، كذلك كانت خدمة "أوبر" أسرع وأسهل وأرخص. ويبقى المهم بالنسبة إليها هو الحفاظ على سلامتها.
في السياق نفسه، التقت "العربي الجديد" عدداً من سائقي "بلاك كاب" للتعرّف على آرائهم حول هذه المسألة. يقول بديس، وهو من أصول جزائرية مقيم في بريطانيا منذ عام 1992 وسائق "بلاك كاب" منذ نحو عشرة أعوام، إنّ عمله في البداية كان جيداً. لكن مذ بدأت "أوبر" العمل في البلاد، أي قبل نحو ثلاث سنوات، تدنّى دخله بنسبة 50 في المائة. ويشكو بديس: "هذا ليس منصفاً. ما من عدل بيننا وبين سائقي أوبر. على سبيل المثال، يمكن لسائقيها اختيار أيّ سيارة شرط ألا يعود تاريخ تصنيعها إلى أكثر من 15 عاماً، في مقابل إرغامنا على قيادة سيارات معيّنة تصل قيمتها إلى 40 ألف جنيه إسترليني على الأقلّ. كذلك، تُفرَض علينا شروط صارمة، منها التحقق من سجلّنا الإجرامي والصحي على مدى السنوات العشر الماضية. أمّا بالنسبة إلى غلاء أسعارنا، فهذا أمر تحدّده الدولة ونحن ضدّ هذه الأسعار الباهظة، بينما لأوبر الحرية في تحديد أسعارها". ويرى بديس أنّ "ما قيل عن التمييز العنصري لا أساس له من الصحة، لأنّ عدداً كبيراً من أصدقائي البريطانيين يعملون لدى أوبر، إلى جانب آخرين من أعراق مختلفة. والأمر نفسه ينطبق على سائقي بلاك كاب".
من جهته، يقول محمد حسين وهو من أصول صومالية مقيم في بريطانيا منذ 18 عاماً وسائق "بلاك كاب" منذ نحو أربعة أعوام، إنّه تابع تعليماً لمدّة عامَين قبل أن يُسمح له بالعمل كسائق. يضيف: "حين بدأت العمل كانت الأمور جيدة، إلا أنّ المعاناة بدأت مع دخول أوبر إلى لندن"، لافتاً إلى أنّ "سياراتنا أكثر أماناً من تلك التي يستخدمها سائقو أوبر. فثمّة زجاج عازل بين السائق والركّاب وهي مريحة". ويشدد محمد حسين على "ضرورة وضع معايير وقوانين عادلة تطبّق على الجميع".
عبد الغني من أصول صومالية كذلك، مقيم في بريطانيا منذ 20 عاماً وسائق "بلاك كاب" منذ نحو خمسة أعوام، يحكي عن تأثير "أوبر" على نمط معيشته وحياته. فيقول: "بعدما كان الناس جميعاً يستخدمون بلاك كاب، تحوّلوا بغالبيتهم إلى أوبر، بسبب أسعارها التي تقلّ عن تسعيرة الباص أحياناً"، مؤكّداً أنّ "أوبر لم تؤثّر علينا فقط، بل كذلك على سائقي وسائل النقل العامة". يضيف عبد الغني: "أسعارها أرخص من كوب قهوة خصوصاً حين يتشارك عدد من الركّاب الدفع"، ويلوم "القوانين والتكنولوجيا. فأنا درست كثيراً قبل أن يُسمح لي بمزاولة المهنة، لكن فجأة يأتي أحدهم ويبدأ العمل اعتماداً على تطبيق فقط من دون أيّ معرفة بالشوارع". بالنسبة إلى عبد الغني، فإنّه "من العدل عدم تجديد رخصة أوبر، لأنّ السائقين لا يعملون وفق قوانين الدولة، وليست المسألة عنصرية بتاتاً، إذ إنّ معظم سائقي بلاك كاب من إثنيات مختلفة".
إلى هؤلاء، يقول البريطاني بيتر وهو سائق "بلاك كاب" منذ 25 عاماً، إنّ "أوبر أثّرت بصورة كبيرة على نمط حياته"، لكنّه يلوم هيئة نقل لندن "لأنّها سمحت لأوبر بالعمل في البداية". يضيف: "هم يستخدمون هواتفهم المحمولة بدلاً من العدّادات، بالتالي يمكنهم التحكّم في أسعارها"، مشيراً إلى أنّ "القوانين تعمل ضدّنا ولصالحهم. بالتالي فإنّ التنظيم قد يكون الحلّ الأفضل للإبقاء على أوبر". ويكرّر، على غرار سائقين آخرين، أنّه تابع تعليماً لسنوات قبل مزاولة مهنته، "كأنّما حصلنا على شهادة جامعية، بينما يأتي آخرون من دون أيّ تدريب أو تعليم ويخفّضون أسعارهم بشكل كبير. ونحن لا نستطيع تبديل أسعارنا ولا يُسمح لنا إلا بقيادة نوعَين من السيارات التي ينبغي أن تكون مجهّزة لذوي الإعاقة".
في انتظار الركّاب (أحمد الداوودي) |
جوزف من أصول لبنانية مقيم في بريطانيا منذ 32 عاماً وسائق "بلاك كاب" منذ 17 عاماً. يقول إنّ معظم سائقي "بلاك كاب" من أصول صومالية وعربية وأفغانية وباكستانية وغيرها، و30 في المائة فقط من البريطانيين. يضيف أنّ "سائقي أوبر ليسوا مهنيّين"، لافتاً إلى أنّه "يتوجّب على السائق معرفة كلّ الطرقات والمحطات تقريباً، لكن في حالة هذا التطبيق، فإنّ السائق قد يعجز عن إيجاد طريق بديل، بالتالي لن يصل الزبون في الوقت المناسب. أمّا نحن، فنعرف الطرقات جيداً من دون الاعتماد على الإنترنت، نؤمّن للزبون خدمات مضمونة مع أسعارنا المرتفعة. لكنّ تلك الأسعار مفروضة علينا من قبل الدولة". ويرى جوزف أنّ "الحل قد يكون بفرض أسعار متقاربة حتى يتمكّن الجميع من العمل".
من جهتهم، لم يخفِ سائقو "أوبر" معاناتهم، في حين تحفّظوا على التصريح بآرائهم وذكر أسمائهم. هؤلاء بمعظمهم، اشتكوا من خسارة مصدر رزقهم في حال عدم تجديد ترخيص "أوبر". تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة سائقين أعربوا عن ارتياحهم لأنّهم يتقاضون أجراً يقلّ عن الحدّ الأدنى الوطني للأجور، بينما عبّر معظم العاملين تحت سقف "أوبر" عن قلقهم حول كيفية تأمين لقمة العيش لعائلاتهم.
إلى ذلك، من غير المستغرب أن يختار الناس الخدمة الأرخص، على غرار "أوبر". يقول والتر لـ "العربي الجديد" إنّه "من المنطقي استخدام أوبر. فأنا دفعت خمسين جنيهاً حين استخدمت بلاك كاب في أحد تنقلاتي، في حين دفعت 25 جنيهاً للرحلة نفسها مع أوبر". ويرى أنّ "سائقي أوبر جيّدون، ولم يسمع أيّ شكوى عنهم"، لافتاً إلى أنّه يُدرك "عدم امتلاكهم معرفة كافية بالطرقات على غرار سائقي بلاك كاب، إلا أنّ ذلك لم يعد مطلوباً هذه الأيام. فقد حلّت التكنولوجيا محلّ هذه المعرفة". يضيف والتر: "ربّما تكون ثمّة أمور تتعلّق بالأمان لكنّها ترتبط أكثر بالنساء"، ويتمنّى أن تحصل أوبر على الرخصة مجدداً.
تجدر الإشارة إلى أنّ القضايا التي كانت قد أثارتها هيئة نقل لندن تشمل نهج "أوبر" في الإبلاغ عن الجرائم الجنائية الخطيرة، وكيفية الحصول على الشهادات الطبية للسائقين، وكيفية إجراء عمليات التحقق من السجلات الجنائية، وكيفية استخدامها للتكنولوجيا التي يُزعَم أنّها تساعدها على التهرّب من القانون.