رفض عدد من قضاة مجلس الدولة المصري، الذين تواجدوا أمام مشرحة زينهم خلال تشريح جثمان اﻷمين العام السابق للمجلس، القاضي وائل شلبي، رواية اﻷجهزة اﻷمنية حول انتحاره، واعتبر قضاة أن "هناك تعمُّدا لتصدير رواية الانتحار، في محاولة للتهرب من المسؤولية"، وألقى بعضهم باللائمة على الجهة التي كانت تحتجز شلبي، وهي الرقابة اﻹدارية.
وأكد قضاة غاضبون أن الشكوك حول تفاصيل الوفاة تزايدت بسبب طريقة تعامل أجهزة اﻷمن مع الواقعة، بداية من عدم السماح لزملائه القضاة برؤية الجثمان قبل التشريح، فضلا عن عدم الكشف عن طريقة انتحاره التي تروّجها الرواية اﻷمنية، وسط التضارب حول كونه شنق نفسه وكيفية حدوث ذلك.
وربط مراقبون بين حالة الغضب التي انتابت القضاة والخلافات التي شهدتها العلاقة بين مجلس الدولة والنظام الحالي، بعد حكم بطلان اتفاقية "تيران وصنافير"، معتبرين أن واقعة الفساد التي تم الكشف عنها "جاءت في سياق الضغط لتمرير اتفاقية تيران وصنافير، وتشويه صورة مجلس الدولة قبل صدور الحكم".
وقال أحد قضاة مجلس الدولة، خلال تواجده أمام مشرحة زينهم أثناء تشريح جثمان شلبي، إن "رواية انتحار اﻷمين العام السابق لمجلس الدولة غير منطقية، ولا يمكن تصديقها مطلقا".
وأضاف القاضي، الذي اشترط عدم ذكر اسمه بعد قرار حظر النشر في القضية، أن "قرار النائب العام بعدم النشر، يأتي لوفاة شلبي داخل مقر احتجاز تابع لهيئة الرقابة اﻹدارية، وهناك رغبة في عدم الحديث عن تفاصيل اﻷمر، ورفض لطرح تساؤلات حول ظروف وملابسات الوفاة".
وتابع أن "واقعة وفاة شلبي عليها علامات استفهام عدة؛ فصلها في معاينة النيابة للغرفة التي قالت الرواية اﻷمنية إنه انتحر فيها، ورفض اﻷمن معاينة مستشاري مجلس الدولة جثمان شلبي قبل التشريح، وغيرها".
وأكد أن هناك حالة غضب في صفوف قضاة مجلس الدولة عقب وفاة شلبي، خاصة مع وجود شكوك قوية حول احتمال قتْله لأسباب غير معروفة "ربما يكون هدّد بفضح بعض الممارسات في أجهزة الدولة، كورقة ضغط خلال التحقيقات"، على حد تعبير القاضي.
وأشار إلى أن قضية شلبي وفتْحها في هذا التوقيت، بغض النظر عن تورطه في رشوة من عدمه، لها دلالة معينة قُبيل حكم المحكمة اﻹدارية العليا، في 16 يناير/كانون الثاني الجاري، في الطعن المقدم من الحكومة على بطلان اتفاقية "تيران وصنافير".
وأوضح القاضي أن "ظروف وملابسات القضية غير معروفة، جميع المستشارين الذين تواجدوا أمام المشرحة لا يعرفون شيئا عن ظروف وفاته، وفرضية الانتحار تظل مجرد احتمال. لكن تصدير هذا السيناريو يثير الشكوك حول القضية برمتها" على حد قوله.
وكشف القاضي المصري عن اتصالات أجراها قضاة مع رئيس مجلس الدولة ونوابه، لبحث الواقعة "حتى لا تمر مرور الكرام، في ظل حالة الغضب التي انتابت كل قضاة المجلس".
وقال إن القضية ستكون لها انعكاسات على جميع القضاة، وليس على قضاة مجلس الدولة فقط، من حيث طريقة تعامل أجهزة الدولة مع رجال القضاء، وهو ما قد يدفع إلى نوع من الصدام.
تيران وصنافير
وأضاف أن الواقعة "جاءت بعد ضغوط كبيرة على مجلس الدولة للتراجع عن حكم تيران وصنافير، وهذا يفسّر تحويل الملف إلى البرلمان لخلْق نوع من الصدام بين مجلس الدولة والهيئات القضائية والبرلمان. الصدام ربما يتزايد، خلال الفترة المقبلة، إذا أصرّ مجلس النواب على مناقشة تعديلات اختيار رؤساء الهيئات القضائية، بحيث تسمح بأن يكون لرئيس الجمهورية اليد العليا في اختيارهم، بما يضمن ولاءهم".
وحول تعطيل بعض مشروعات قوانين البرلمان المحالة إلى مجلس الدولة ردًّا على وفاة "شلبي" أو طريقة التعامل مع القضية، استبعد هذا السيناريو، وإن كان سيكون هناك حساسية شديدة، ليس فقط لناحية الضغط بمشروع قانون تعديل اختيار رؤساء الهيئات، ولكن أيضا "نظر ملف الجزيرتين" وهو منظور أمام المحكمة اﻹدارية العليا.
وقال الخبير السياسي محمد عز، إنه لا يمكن الفصل بين وفاة شلبي ونظر المحكمة اﻹدارية العليا لطعن بطلان اتفاقية تيران وصنافير، فضلا عن واقعة الفساد التي تم كشفها، مضيفا أن "اﻷزمة تكمن في وجود خلافات بين النظام ومجلس الدولة حول قضية تيران وصنافير، وبالتالي فإن هذا النظام يمكن أن يفعل أي شيء للضغط على المجلس".
وتابع عز أن "النظام يسخّر كل أذرعه لمهاجمة مجلس الدولة، فمثلا حينما تم كشف فساد مدير المشتريات، تم الزجّ باسم مجلس الدولة كأنه يعوم فوق بحيرة من الفساد، وهو ما تسبب في حالة غضب بالتأكيد"، لافتا إلى أن النظام لن يتوقف عن الضغط لتمرير الاتفاقية، حتى لو صدر حكم اﻹدارية العليا بتأييد بطلانها، والمؤشر على ذلك هو إرسالها إلى مجلس النواب.