يبدو أنّ الأمور تذهب في اتّجاه وقف العمل بالقانون الكويتي الجديد الذي نصّ على خفض سنّ الأحداث إلى 16 عاماً. يأتي ذلك بعد انتقادات كثيرة وقلق من تشويه صورة البلاد.
أحدث قانون خفض "سنّ الأحداث" الذي أقرّه مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي المنحلّ، ضجّة في أوساط المنظمات الدولية الإنسانية والقانونية بسبب تعارضه مع اتفاقيات حماية الطفل التي سبق أن وقّعت عليها الكويت. وكانت الحكومة الكويتية قد تقدّمت بمشروع القانون الذي ينصّ على خفض سنّ الحدث من 18 عاماً، وهي السنّ المتعارف عليها عالمياً، إلى 16 عاماً، ليوافق عليه البرلمان بأغلبية 38 عضواً واعتراض سبعة أعضاء وامتناع عضوين عن التصويت.
في تبرير للقانون، قال وزير الداخلية السابق محمد الخالد الصباح إنّ كثيرين هم المتطرّفون والإرهابيون بالإضافة إلى تجّار المخدّرات والمتورّطين في عمليات النهب والسلب، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً. وهؤلاء يفلتون من العقاب إذ يكونون دون السنّ القانونية أثناء ارتكابهم جريمتهم. بالتالي، "وجب علينا تقديم هذا القانون كي نقطع الطريق قانونياً".
تفيد بيانات وزارة الداخلية بأنّ نزلاء سجن الأحداث الذين تزيد أعمارهم عن 16 عاماً بلغ عددهم ألفاً و609 أحداث، أمّا الذين هم دون 16 عاماً فقد بلغ عددهم 530 حدثاً. وفي حين تشير الحكومة إلى أنّ الكويت لم توقّع أيّ اتفاقية دولية تحدّد سنّ الأحداث، يقول خبراء قانونيون إنّ القانون الكويتي الجديد الخاص بالأحداث يناقض مواد اتفاقية حقوق الطفل التي وقّعتها الكويت في عام 1991.
قانون الأحداث الجديد الذي بدأت الحكومة تطبيقه مطلع هذا العام، سوف يُعلَّق العمل به بعد توجيهات من أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح الذي رأى فيه تعارضاً مع المبادئ الإنسانية والأعراف الدولية التي تحدّد سنّ الطفولة لغاية 18 عاماً. هذا ما يوضحه الخبير القانوني عمر الروقي لـ "العربي الجديد"، مضيفاً أنّ "القانون الجديد يجعل من الحدث ابن 16 عاماً، مسؤولاً عن كلّ الجرائم السياسية والجنائية التي تصل عقوبتها إلى الإعدام. فإذا استمرّ العمل بهذا القانون وارتكب حدث جريمة تستوجب الإعدام، فإنّ ذلك سوف يتسبّب في اهتزاز صورة الكويت أمام المجتمع الدولي. وهو ما دفع بالقيادة السياسية في البلاد إلى إصدار أمر إلى الحكومة الجديدة بإلغاء هذا القانون".
تُعدّ الكويت من الدول القليلة التي ما زالت تطبّق أحكام الإعدام، وقد نفّذت وزارة الداخلية الإعدام في حقّ سبعة مُدانين بجرائم قتل، من بينهم أحد أفراد الأسرة الحاكمة بعد قتله ابن عمه، وكذلك امرأة كويتية أحرقت حفل زفاف تسبّب بمقتل أكثر من 52 امرأة. يأتي ذلك رغم انتقادات المنظمات الدولية.
في السياق، يقول الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت خليل خالد لـ "العربي الجديد"، إنّ "القانون الجديد كارثة كبرى على الصعيدَين الاجتماعي والعائلي، إذ إنّ ابن 16 عاماً يُعَدّ طفلاً في كلّ الأعراف العالمية، ويُعَدّ غير مكتمل النضوج، وعقله وتجربته ما زالا في طور التشكّل. فكيف يعاقَب على أفعاله ويوضع في السجن مع عتاة المجرمين". يضيف: "بحسب هذا القانون، لو أقدم الحدث على فعل خادش للحياء على وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً، أو سبّ أو شتم أحدهم، فإنّه سوف يُحتجَز في السجن العمومي مع كبار تجّار المخدّرات. من شأن ذلك التأثير فيه، وقد يجعله الاختلاط بالمجرمين مجرماً". بالنسبة إليه، فإنّ "المراهق الكويتي مظلوم نتيجة الإهمال المتعمّد من قبل أسرته، نظراً إلى تسارع وتيرة الحياة الاستهلاكية في مجتمعنا، بسبب الظلم الفادح الذي تفرضه عليه قوانيننا".
إلى ذلك، أقرّ النائب العام المستشار في الكويت ضرار العسعوسي في تصريحات صحافية سابقة، بعدم جدوى القانون. وقال إنّ النيابة تؤيّد إعادة سنّ الحدث إلى 18 عاماً كما نصّ عليه القانون السابق. فخفض سنّ الحدث إلى 16 عاماً يخالف قانون الطفل الكويتي الذي أقرّه مجلس الأمة في عام 2015، فضلاً عن مخالفته اتفاقيات دولية وقّعتها الكويت تحدّد سنّ الطفل لغاية 18 عاماً. أضاف أنّ النيابة العامة أعدّت مذكّرة بالأسباب التي تؤيّد ذلك وأرسلتها إلى وزارة العدل، لكنّ مجلس الأمة السابق لم يأخذ برأيها عندما أقرّ هذا القانون.
وكان النائب في البرلمان الجديد مرزوق الخليفة قد تقدّم باقتراح لإلغاء هذا القانون قائلاً إنّه غير إنساني وسوف يدمّر مستقبل مئات الأحداث، فهو مصمّم للانتقام من الأحداث الذين ينتقدون الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي. أضاف أنّ الحكومة لم تكن قادرة على معاقبتهم في السابق لأنّهم دون السنّ القانونية، لذا لجأت إلى هذا القانون الذي يوسّع صلاحياتها. وقد أوضح في سياق دفاعه عن قراره، أنّ المتخصصين النفسيين بالإضافة إلى خبراء آخرين، يؤكّدون أنّ هذا القانون غير قابل للتطبيق بسبب تعارضه مع أساسيات قوانين الطفولة وأعرافها.
تجدر الإشارة إلى أنّ القانون موضوع الجدال جاء ردّ فعل على التفجير الإرهابي الذي استهدف مسجد الصادق في وسط البلاد والذي أسفر عن عشرات القتلى والجرحى في 26 يونيو/ حزيران 2015. والبلاد حينها عاشت جواً مشحوناً من جرّاء ذلك، خصوصاً بعدما تبيّن أنّ عناصر معظم الخلايا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً. وهذا مأزق قانوني لوزارة الداخلية والنيابة العامة اللتَين لا تستطيعان محاسبتهم على ما ارتكبوه.