ويبدو أن الكلفة المرتفعة لهذا المشروع الكبير، أي 48 مليار يورو، جعلت السلطة التنفيذية تتملص منه، ودفعت أحد نواب أغلبية ماكرون، ستانيسلاس غيريني، للحديث عن التقرير باعتباره "مساهمة ثمينة" لكنه "يندرج ضمن مساهمات أخرى".
الرئيس إيمانويل ماكرون، لم يستقبل جان-لوي بورلو لتسلم التقرير، وكلف رئيس حكومته، إدوار فيليب، بهذه المهمة، ليترك لمساعديه تبرير الاستقبال الفاتر التي خصّه لعمل بورلو، رغم أنه استغرق كثيرا من الوقت وتضمن كثيرا من اللقاءات والاستشارات، ويراهن عليه كثير من العمدات للقضاء على مشاكل الضواحي والأحياء الشعبية في فرنسا.
مُقرَّب من الرئيس ماكرون انتقد التقرير لأنه خلا من الإشارة إلى "قضايا الأمن والتطرف"، مُركِّزاً على "قضايا ليست جديدة"، بحسب صحيفة "لوفيغارو"، كما أن الإليزيه لام التقرير لأنه يركز كثيرا على "الجانب العقاري"، وهو ما دفع أحد موظفي الإليزيه للقول: "لقد استثمرنا كثيرا في الحجر. صحيح أنه بفضل التجديد الحضري، تغيّر وجه الضواحي، بصريا، لكن الناس لا يزالون يعانون من البطالة". ويرى هذا المسؤول المقرب من الإليزيه أن تقرير بورلو يشبه العالَم القديم، الذي كان السياسيون يعتقدون فيه أن ضخّ المليارات في الضواحي كافٍ لحل المشاكل.
وتدخُل قضية التمويل بقوة، في الحذر من هذا التقرير، وهنا يرى وزير في حكومة ماكرون أنّ مشروع بورلو "يبدو غير قابل لتمويله".
ولتبرير القسوة والصدّ الذي جُوبِهَ به تقرير بورلو، ترى بعض الأوساط القريبة من ماكرون، أن الرئيس وحكومته لم ينتظرا سنَةً من الحكم كي يتحركا في الضواحي، وهذا ما يجعل التقرير، في نظرها بعيداً، بشكل كلي، عن فلسفة ماكرون.
كما ترى نفس المصادر أن الرئيس الفرنسي لا يريد مشاريع ومخططات خاصة ونوعية للضواحي. بل يريد أن يُطبَّقَ القانون في كل مكان بنفس الطريقة، وهو ما جعله يرفض مقترح إنشاء مدرسة تشبه "المدرسة الوطنية للإدارة" مُوجَّهَة لتكوين النُّخَب المنحدرة من الأحياء الشعبية. وهنا تنقل صحيفة "لوفيغارو" تصريح عضو في الحكومة يقول فيه: "60 مليون يورو من أجل 500 طالب. الأمر باهظ. أفضّلُ استخدام هذا المبلغ من أجل تمويل مِنَح"، فيما قال آخر من حاشية الرئيس، إن إقرار هذا الإجراء الذي يقترحه جان-لوي بورلو سيكون "اعترافاً بأن "المدرسة الوطنية للإدارة" غير مفتوحة أمام سكان الضواحي.
وسيلقي الرئيس ماكرون، الثلاثاء القادم، خطابه الكبير حول الضواحي، وهو خطاب منتظرٌ، لأسباب عديدة، منها الردّ على انتظارات هذه الأجزاء من الجمهورية، التي لا تساير إيقاعات النمو الذي تعرفه مناطق أخرى، والتي يرى الكثيرون من معارضي ماكرون أن الرئيس لا يفعل شيئا من أجلها، خاصة أن الحكومة تخلو من منصب وزير المدينة، الذي حرصت كثير من حكومات اليمين واليسار على حضوره في كل حكوماتها.
وعلى الرغم من قدرة الرئيس ماكرون على المراوغة، إلا أنه، بطريقة أو أخرى، سيكون لزاما عليه أن يبدي موقفه من تقرير جان-لوي بورلو، خاصة أنه هو من أوصاه بإعداده، مُثنياً، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أثناء إطلاقه ما سمّاه "التعبئة الوطنية من أجل المدن والأحياء"، على "طاقته وحيويته"، وشاكرا له قبوله وضع القفاز من أجل مساعدته في المعركة، وهو ما منح الرغبة لهذا السياسي المريض، والمتقاعد، لخدمة الرئيس ماكرون، بعد أن كان قد عرض على المرشح ماكرون، بعد نتائج الدورة الأولى، خدماته.
وقد اختلفت المواقف من المصير الذي لقيه تقرير بورلو، السياسي الفرنسي اليميني الاجتماعي، فإذا كان الكثير من عمدات الضواحي، من اليسار ومن اليمين، عوّلوا على نتائج تطبيقه، فإن معظم مسؤولي اليمين، رأوا فيه إهدارا للأموال، في مناطق لا يرون من مُقاربَة لمشاكلها سوى المقاربَة الأمنية المتشددة. وهو ما يقوله، بكثير من الوضوح، الصحفي في لوفيغارو، غيوم تابار، حين يفسّر سبب فشل هذا اللقاء بين ماكرون وبورلو. وهو يبرر الأمر بـ"عدم توافق منهجية وعقلانية ماكرون في مواجهة عاطفية واندفاعية بورلو"، وأيضا لأن الرئيس ماكرون "لا يريد لمثل هذه المشاريع أبويّة من أحد، سواه"، وهي مسألة تراتبية مؤسساتية بقدر ما هي مسألة مزاج شخصي.
ثم يعرج الصحفي على قضية الأضواء، حيث كان بورلو ضيفا على القناة الثانية في أخبار الثامنة ليلا، وهو يدعو إلى "المصالحة الوطنية" حول 19 مشروعا فخطف الأضواء. وهو ما سبب حنق الإليزيه. ما يعني أن الرئيس "في غنى عن الدعم الذي يمكن أن يقدّمه له بورلو"، أي أن الرئيس يريد أن يُفهِم الجميع أن "حركته لا تتعلق بأحد"، وإذن، فهي "لا تتعلق بتقرير بورلو"، رغم كل الكدّ والتعب وأيضا التحديات التي قد يكون بورلو قد واجهها.
ولم يهرع لنصرة بورلو سوى السياسي اليميني فرانسوا كوبي، الذي اعتبر تخلي ماكرون عن بورلو: "خطابا رهيباً عن التخلي عن الأولويات، ليس فقط الضواحي، بل ومجموع البلد. خصوصا أن جان لوي بورلو، ليس شخصا عاديا، إنه الشخصية السياسية الفرنسية الأشهر في هذا المجال".
ورأى كوبي، أن "بورلو من أنجح وزراء المدينة في فرنسا"، وأضاف أن "مقترحاته التسعة عشر جيدة وصلبة، ويمكن تحسينها، مثل الأمن والمُواطَنَة أو مكافحة الانزواء الجماعاتي". وعن كلفته الباهظة، التي أزعجت مسؤولي حكومة ماكرون، يرى كوبي أن " الكلفة أقلّ، مقارنة مع تمويل الخسائر التي يسبّبها انعدام الحركة"، وأخيرا عبّر كوبي عن أمله في ألا ينظر الرئيسُ ماكرون إلى بورلو، باعتباره مُنافساً، وقال: "لا أصدّق، ولو لدقيقة، أن يحدث مشكل "الأنا".