أسامة استشهد قرب مستشفى المقاصد الإسلامية بالقدس، بعد تبرعه لجرحى مجزرة الأقصى ملبياً نداء المستشفى لمواطني المدينة المقدسة بالتبرع بدمهم، لإنقاذ حياة مئات الجرحى، الذين غصت بهم ردهات المستشفى، حيث أصر على تقديم دمه للمحتاجين من الجرحى، كما يقول والده "أبو آدم" لـ"العربي الجديد".
ويؤكد أبو آدم، المسن السبعيني الذي أنهكه المرض وفقدان نجله، أنّه "غير نادم" على ما ناله أسامة من شهادة دفاعاً عن الأقصى، متسائلاً كما بقية أهالي شهداء المجزرة ما إذا كانت دماء أبنائهم قد ذهبت سدى في سوق المفاوضات، بوقت تحدق فيه الأخطار بالأقصى.
مما يتذكره والد الشهيد عن استشهاد نجله في ذلك اليوم، يرويه بتفاصيله لـ "العربي الجديد"، بقوله: "في ذلك اليوم، وحين اندلعت الاشتباكات عقب الصلاة مباشرة، لم يكن أسامة هناك، كنت قد أنهيت للتو الصلاة في المسجد، حين بدأ الرصاص ينهمر علينا كالمطر".
ويضيف أنّ "أسامة كان في تلك الأثناء في قرية بيرنبالا شمال غرب القدس، واتصل بي متسائلاَ إن كنت على علم بما جرى ويجري في الأقصى، فأبلغته بما حدث، وقلت له: (شفت كل شي بعينيّ)".
ويتابع "طلبت منه أن يحضر إلى بيتنا المستأجر في شعفاط شمالي القدس، وقلت له إنّ المسافة من بير نبالا إلى شعفاط تستغرق خمس عشرة دقيقة فاحضر على الفور"، ثم حضر بعد ذلك، لكنه أصرّ على الذهاب إلى المسجد الأقصى.
وبينما احتد النقاش وسط خوف الأب على فلذة كبده، لم ينصع أسامة وطلب موافقة والده للذهاب إلى المقاصد والتبرع بالدم للجرحى، وقد وافقته أمه على الذهاب، وقالت لأبيه: "خليه يروح زي هالشباب اللي بتبرعوا بدمهم".
مع ذلك طلب أبو آدم من شقيق أسامة الأكبر ألا يفارقه ويعتبره أمانة بين يديه، مستدركاً بالقول: "لكنّ الاثنين غادرا، وكنا لا نزال بانتظار عودتهما سريعاً لنتناول طعام الغداء، فتلقينا اتصالاً عند الساعة الخامسة طلب منا الحضور إلى مستشفى المقاصد، وفعلاً ذهبنا إلى هناك، فإذا بالمستشفى يعج بأبناء شارع الجالية الأفريقية، سألت عن أسامة، فقالوا لنا إنّه أصيب قرب المستشفى ويخضع للعلاج في غرفة العمليات".
أثناء انتظار العائلة في ردهة المستشفى، خرج الطبيب من غرفة العمليات، وكانت الدماء لا تزال تغطي يديه، فتوجه الوالد إليه وسأله عن أسامة، فطلب منه الانتظار، وحين ألح الوالد على الطبيب بالسؤال... قال له: "هو في رحمة الله".
كان على الوالد أن يتجمّل بالصبر، وأن يتحمّل نبأ استشهاد أسامة، والذي وقع على أسرته وعلى أبناء جاليته الأفريقية وعلى عموم المقدسيين وقع الصاعقة، وكان البعض لا يخفي دموعه المنهمرة، بينما أجهش رفاق أسامة بالبكاء.
لحظات صعبة عاشتها عائلته ومحبوه، وكان نصيب الأم منه وافراً، حيث تحدثت لـ"العربي الجديد"، مستعيدة تفاصيل من اللحظات الأخيرة من حياة نجلها الشهيد، إذ تقول: "لقد كان أسامة أول من لبى النداء من أجل التبرع بالدم، لكن حين وصل إلى محيط مستشفى المقاصد اعترض جنود الاحتلال طريقه، وحين التف عليهم مخترقاً صفوفهم، أطلقوا عليه رصاصاً اخترق خاصرته ومزّق أعضاءه الداخلية".
تلقى والد الشهيد نبأ استشهاد أسامة، وأصيبت والدته بالصدمة حين إبلاغها بارتقائه شهيداً، ولم تتمكّن من وداعه عندما أحضروه إلى منزل العائلة في باب المجلس، لكنّه، وقبل أن يخرجوا به للصلاة عليه وقت العشاء هرولت إليه مسرعة، لتكشف عن وجهه وتطبع عليه قبلة الوداع الأخيرة.
تتوقف الأم قليلا وهي تروي تفاصيل تلك اللحظة، بينما تتأمل صورته المعلّقة على جدار المنزل، وتجول بنظراتها في سماء الغرفة قبل أن تطلق دمعة، ثم تتبعها بالقول: "الله يرحمه.. وربنا يتقبله شهيداً.. ويتقبل جميع شهداء الأقصى".
اليوم، وبعد ستة عشر عاماً من استشهاد أسامة، يتكرّر المشهد، وتكاد إجراءات الاحتلال ضد المصلين والمرابطين تفجّر انتفاضة أخرى، في وقت يرى فيه والدا الشهيد أسامة، أنّ حماية الأقصى والدفاع عنه، بحاجة إلى من يدافعون عنه دفاع أسامة، ومن ارتقى من الشهداء في مجزرتي الأقصى الأولى والثانية.
ومع ذلك لا يخفيان حزنهما وألمهما لما حل بالأقصى اليوم، ويدعوان ألا تذهب تضحيات الشهداء هباء، بعدما فقدا الثقة بالسياسة والسياسيين، في وقت لا يملكان فيه سوى الاحتفاظ بذكريات من رحلوا.