أنقذ السودان تسعة أطفال من مناطق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعدما فقدوا أمهاتهم وآباءهم في ساحات القتال هناك، وقد اختاروا القتال إلى جانب "داعش". خيار جعل الأطفال يدفعون الثمن، بعدما عاشوا مع أصوات الرصاص وقصف الطائرات، بانتظار مستقبل مجهول، علماً أنه يطلق عليهم "أطفال داعش".
وانضم أكثر من سبعين شاباً سودانياً إلى تنظيم "داعش" في سورية وليبيا، بينهم فتيات لم ينه معظمهن التعليم الجامعي، ليتزوجن في مناطق "داعش" وينجبن أطفالاً.
الأسبوع الماضي، استعادت عائلات سودانية ثمانية أطفال تراوح أعمارهم بين شهرين وتسعة أعوام، كانوا قد فقدوا آباءهم وأمهاتهم خلال قتالهم مع داعش في ليبيا. وقبل ذلك، استعادت البلاد طفلة في الشهر الرابع من العمر، وسلّمت إلى جدها، على أن يصل أربعة أطفال آخرين في وقت قريب.
ونجحت الجهات المعنية في الخرطوم بالوصول إلى عائلات أولئك الأطفال، باستثناء طفلين سلّما إلى وحدة حماية الطفل ومجلس الطفولة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهما، إلى حين العثور على أسرتهما. إلّا أنّ العائلات تخشى على هؤلاء الأطفال بسبب البيئة التي نشأوا فيها، عدا عن خوفهم من الوصمة الاجتماعية التي قد تعكّر صفو حياتهم.
استقبل "م." بكثير من الحزن والأسى، حفيدته الصغيرة التي أعادتها السلطات السودانية، وشعر بأنها تعوضه خسارة ابنته في القتال بليبيا، بعدما قرّرت الالتحاق بالتنظيم من دون علمه. وحاول جاهداً إعادتها، لكنه عرف بزواجها وإنجابها طفلة، قبل أن تفارق الحياة. يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنه سعيد جداً بحفيدته، التي "أعادت الحياة إلى منزلي بعدما خيّم عليه الحزن بفقدان ابنتي". وقد اندمجت لاحقاً الطفلة التي لا تتجاوز بضعة أشهر مع أفراد العائلة، وصارت تبعث الفرح في المنزل. ولأنه يخشى عليها في المستقبل، ينوي استشارة معالج نفسي.
في هذا السياق، ينصح عدد من الباحثين الاجتماعيين والمعالجين النفسيين بتوفير حياة مستقرة وآمنة للأطفال، بعد استعادتهم من "داعش"، باعتبارهم حالات خاصة، والعمل على احتضانهم داخل الأسر، حتى لا يتأذون نفسياً، ما قد يؤثر على سلوكهم.
يقول المعالج النفسي علي بلدو، لـ"العربي الجديد": "هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم، وهم ضحية ما شاهدوه من أهوال الحروب، عدا عن العيش في أجواء غير مستقرة، من ملاحقات ومطاردات وقسوة وضعف الرعاية الصحية. كل هذه العوامل تؤثر على نموّهم الجسدي والذهني". يتابع: "في أوقات كثيرة، فإن رؤية الأطفال للدم والإصابات وأصوات الذخيرة وغياب جو العائلة وعدم الشعور بالأمان كل ذلك يؤدي إلى صدمة تمتد آثارها على مدى الحياة". ويضيف أنّ "غياب العائلة يؤدي إلى رهبة وخوف، ما يجعل لديهم قابلية عالية للعنف، مع تزايد نزعات التطرّف لديهم مستقبلاً، فضلاً عن ممارسة سلوك غير مقبول اجتماعياً".
اقــرأ أيضاً
يؤكد بلدو أن أولئك الأطفال معرضون للتبوّل اللاإرادي، والخوف أثناء النوم، فضلاً عن الضعف الأكاديمي وضعف التواصل مع المجتمع وتكوين صداقات، بسبب النمو في أجواء غير طبيعية. يضيف أنّ "فقدان الآباء في القتال يؤثر على الأطفال بشكل كبير، وقد يشعرون بالدونية والخوف من المجتمع، أو حتى برغبة في الانتقام منه". ويشدد على "ضرورة دراسة نفسية وسلوك الأطفال، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم ولعائلاتهم، حتى البديلة منها. كذلك، يجب توفير بيئة جيدة ومدارس وتنمية المهارات ومراقبتهم عن كثب للرد على تساؤلاتهم وتعزيز ثقتهم في أنفسهم والإيمان بالمجتمع، إضافة إلى توعيتهم حول أهمية التسامح ونشر ثقافة السلام".
يشار إلى أن الحكومة وضعت خطة استراتيجية للتعامل مع الأطفال الذين استعادتهم من مناطق داعش في ليبيا، لضمان تنشئتهم في بيئة مناسبة، تحدّ من أية انعكسات سلبية في المستقبل. ويؤكد نائب منسق برنامج التقصي الأسري ولم الشمل في مجلس الطفولة السوداني، معاوية محمد الله جابو، أن استعادة الأطفال السودانيين من ليبيا، يحدث بتنسيق بين جهاز المغتربين والسفارة السودانية في ليبيا، والهلال الأحمر الليبي، والجالية السودانية. ويشير إلى اهتمام المجلس بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لأولئك الأطفال، وفقاً لتقييم كل حالة، وتحديد شكل التدخل المناسب، وذكر أنهم يزورون الأطفال في منازلهم بهدف المتابعة.
يضيف: "في الوقت الحالي، نحن في مرحلة دمج أولئك الأطفال في التعليم، ومتابعتهم مع متخصصين اجتماعيين ونفسيين، تزامناً مع رفع تقارير دورية بشأنهم كل أسبوعين. وهناك دليل تدريبي أعدّه المجلس، يتعلق بالإسعافات الأولية للأطفال".
وحول كيفية التعرف على أسر الأطفال، يؤكد أن لدى المجلس شبكات حماية مجتمعية في كل ولايات السودان، للمساعدة في البحث عن الأسر، إلى جانب الشبكة القومية لبرنامج التقصي الأسري في الولايات المعنية والمحليات. ويشير إلى لجوء بعض الأسر إلى المجلس بعد انقطاع اتصالهم مع أبنائهم هناك، ومطالبتهم بالبحث عن أحفادهم. كما يلفت إلى تسجيل فقدان ثلاثة أشقاء في ليبيا، أكبرهم في التاسعة وأصغرهم في السادسة.
اقــرأ أيضاً
وانضم أكثر من سبعين شاباً سودانياً إلى تنظيم "داعش" في سورية وليبيا، بينهم فتيات لم ينه معظمهن التعليم الجامعي، ليتزوجن في مناطق "داعش" وينجبن أطفالاً.
الأسبوع الماضي، استعادت عائلات سودانية ثمانية أطفال تراوح أعمارهم بين شهرين وتسعة أعوام، كانوا قد فقدوا آباءهم وأمهاتهم خلال قتالهم مع داعش في ليبيا. وقبل ذلك، استعادت البلاد طفلة في الشهر الرابع من العمر، وسلّمت إلى جدها، على أن يصل أربعة أطفال آخرين في وقت قريب.
ونجحت الجهات المعنية في الخرطوم بالوصول إلى عائلات أولئك الأطفال، باستثناء طفلين سلّما إلى وحدة حماية الطفل ومجلس الطفولة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهما، إلى حين العثور على أسرتهما. إلّا أنّ العائلات تخشى على هؤلاء الأطفال بسبب البيئة التي نشأوا فيها، عدا عن خوفهم من الوصمة الاجتماعية التي قد تعكّر صفو حياتهم.
استقبل "م." بكثير من الحزن والأسى، حفيدته الصغيرة التي أعادتها السلطات السودانية، وشعر بأنها تعوضه خسارة ابنته في القتال بليبيا، بعدما قرّرت الالتحاق بالتنظيم من دون علمه. وحاول جاهداً إعادتها، لكنه عرف بزواجها وإنجابها طفلة، قبل أن تفارق الحياة. يؤكد لـ"العربي الجديد"، أنه سعيد جداً بحفيدته، التي "أعادت الحياة إلى منزلي بعدما خيّم عليه الحزن بفقدان ابنتي". وقد اندمجت لاحقاً الطفلة التي لا تتجاوز بضعة أشهر مع أفراد العائلة، وصارت تبعث الفرح في المنزل. ولأنه يخشى عليها في المستقبل، ينوي استشارة معالج نفسي.
في هذا السياق، ينصح عدد من الباحثين الاجتماعيين والمعالجين النفسيين بتوفير حياة مستقرة وآمنة للأطفال، بعد استعادتهم من "داعش"، باعتبارهم حالات خاصة، والعمل على احتضانهم داخل الأسر، حتى لا يتأذون نفسياً، ما قد يؤثر على سلوكهم.
يقول المعالج النفسي علي بلدو، لـ"العربي الجديد": "هؤلاء الأطفال لا ذنب لهم، وهم ضحية ما شاهدوه من أهوال الحروب، عدا عن العيش في أجواء غير مستقرة، من ملاحقات ومطاردات وقسوة وضعف الرعاية الصحية. كل هذه العوامل تؤثر على نموّهم الجسدي والذهني". يتابع: "في أوقات كثيرة، فإن رؤية الأطفال للدم والإصابات وأصوات الذخيرة وغياب جو العائلة وعدم الشعور بالأمان كل ذلك يؤدي إلى صدمة تمتد آثارها على مدى الحياة". ويضيف أنّ "غياب العائلة يؤدي إلى رهبة وخوف، ما يجعل لديهم قابلية عالية للعنف، مع تزايد نزعات التطرّف لديهم مستقبلاً، فضلاً عن ممارسة سلوك غير مقبول اجتماعياً".
يؤكد بلدو أن أولئك الأطفال معرضون للتبوّل اللاإرادي، والخوف أثناء النوم، فضلاً عن الضعف الأكاديمي وضعف التواصل مع المجتمع وتكوين صداقات، بسبب النمو في أجواء غير طبيعية. يضيف أنّ "فقدان الآباء في القتال يؤثر على الأطفال بشكل كبير، وقد يشعرون بالدونية والخوف من المجتمع، أو حتى برغبة في الانتقام منه". ويشدد على "ضرورة دراسة نفسية وسلوك الأطفال، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم ولعائلاتهم، حتى البديلة منها. كذلك، يجب توفير بيئة جيدة ومدارس وتنمية المهارات ومراقبتهم عن كثب للرد على تساؤلاتهم وتعزيز ثقتهم في أنفسهم والإيمان بالمجتمع، إضافة إلى توعيتهم حول أهمية التسامح ونشر ثقافة السلام".
يشار إلى أن الحكومة وضعت خطة استراتيجية للتعامل مع الأطفال الذين استعادتهم من مناطق داعش في ليبيا، لضمان تنشئتهم في بيئة مناسبة، تحدّ من أية انعكسات سلبية في المستقبل. ويؤكد نائب منسق برنامج التقصي الأسري ولم الشمل في مجلس الطفولة السوداني، معاوية محمد الله جابو، أن استعادة الأطفال السودانيين من ليبيا، يحدث بتنسيق بين جهاز المغتربين والسفارة السودانية في ليبيا، والهلال الأحمر الليبي، والجالية السودانية. ويشير إلى اهتمام المجلس بتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لأولئك الأطفال، وفقاً لتقييم كل حالة، وتحديد شكل التدخل المناسب، وذكر أنهم يزورون الأطفال في منازلهم بهدف المتابعة.
يضيف: "في الوقت الحالي، نحن في مرحلة دمج أولئك الأطفال في التعليم، ومتابعتهم مع متخصصين اجتماعيين ونفسيين، تزامناً مع رفع تقارير دورية بشأنهم كل أسبوعين. وهناك دليل تدريبي أعدّه المجلس، يتعلق بالإسعافات الأولية للأطفال".
وحول كيفية التعرف على أسر الأطفال، يؤكد أن لدى المجلس شبكات حماية مجتمعية في كل ولايات السودان، للمساعدة في البحث عن الأسر، إلى جانب الشبكة القومية لبرنامج التقصي الأسري في الولايات المعنية والمحليات. ويشير إلى لجوء بعض الأسر إلى المجلس بعد انقطاع اتصالهم مع أبنائهم هناك، ومطالبتهم بالبحث عن أحفادهم. كما يلفت إلى تسجيل فقدان ثلاثة أشقاء في ليبيا، أكبرهم في التاسعة وأصغرهم في السادسة.