يومياً، يستخدم أكثر من ثلاثة ملايين مصري المترو الذي يربط بين مناطق القاهرة الكبرى. وهؤلاء بمعظمهم يجدون أنفسهم ضحايا قرار الحكومة المصرية القاضي برفع سعر تذاكر المترو. فمترو القاهرة هو أكثر وسيلة نقل استعمالاً.
قبل نحو 15 عاماً، قرّرت إلهام محمد شراء شقة سكنية في العاصمة المصرية، بعدما أنهت ابنتها الكبرى الثانوية العامة بمجموع أهّلها للالتحاق بكلية الطب في جامعة القاهرة. وعادت إلى مصر من إحدى الدولة الخليجية حيث كانت تعمل مع زوجها لبضع سنوات، وقد حدّدت معايير اختيار شقتها في القاهرة، بعدما قرّرت الاستقرار فيها نهائياً.
قُرب الشقة من محطة المترو (قطار الأنفاق) كان واحداً من أبرز المعايير، إلى جانب مساحتها وموقعها وغير ذلك. بالنسبة إلى إلهام، فإنّ محطة مترو في الجوار من شأنها أن تسهل الحركة على ابنتها الملتحقة بالجامعة، إذ وسيلة النقل تلك مباشرة وآمنة ورخيصة التكلفة وسريعة. كذلك فإنّ أبناءها الآخرين في مراحل دراسية مختلفة، وسوف يلتحقون بدورهم بالجامعات خلال سنوات، قبل أن يشقّوا دروبهم في الحياة المهنية.
آنذاك، كان في مصر خطان للمترو، الأوّل هو خط المرج / حلوان ويربط شمال القاهرة بجنوبها، والثاني خط شبرا / الجيزة ويغطي القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية)، فيمتد من شبرا الخيمة في القليوبية حتى ضواحي الجيزة جنوباً. أمّا اليوم، فقد أضيف إلى الخطَين خط ثالث يمتد في مراحله المنجزة حالياً من وسط القاهرة حتى مصر الجديدة ومدينة نصر، ومن المفترض أن يربط بين مطار القاهرة والامتداد الشرقي لمحافظة الجيزة. كذلك، فقد وافقت الحكومة المصرية، في ديسمبر/ كانون الأول 2010، على إقامة الخط الرابع لمترو الأنفاق في القاهرة الكبرى، ومن المقرر أن ينطلق من حيّ الهرم بالجيزة ليمتد إلى مدخل مدينة 6 أكتوبر مع طريق الواحات والفيوم.
اقــرأ أيضاً
وكان سعر التذكرة حينها جنيهاً مصرياً واحداً قبل أن ترفعه الحكومة الحالية إلى جنيهَين في مارس/ آذار 2017، بعد أيام قليلة من رفعها أسعار كل المواد النفطية والكهرباء، بالإضافة إلى رسوم عدد من الخدمات. هكذا، كان كثيرون من أبناء الطبقة الوسطى في مصر يحرصون على السكن في مناطق قريبة من محطات المترو لتسهيل حياة الطلاب والموظفين، بل إنّ أحياء سكنية كاملة أُقيمت في تلك المناطق لمجرّد مرور أحد خطوط المترو فيها. ودبّت فيها الحياة واتّجهت إليها أنظار المقاولين. فتغيّرت خريطة العمران في القاهرة الكبرى وتغيّرت معها أسعار السكن، كلما شقّت الحكومة خطاً للمترو أو مرحلة جديدة. وقد غيّر المترو نمط البيع والشراء في مصر، إذ أقيمت خارج محطاته أسواق شعبية وصارت تلك المحطات مراكز للحركة والتسوّق.
ويشهد على ذلك شارع قصر العيني الذي يصبّ في ميدان التحرير مباشرة، فهذا الشارع الحيوي يمتد على ثلاث محطات مترو في الخط الأول، وهي السيدة زينب وسعد زغلول والتحرير، وقد تحوّلت الشوارع الجانبية إلى مراكز أسواق شعبية توفّر كل المستلزمات من خضراوات وفواكه وملابس وخردوات وغيرها. يُذكر أنّ في المنطقة وزارات (التربية والتعليم والصحة والتضامن والتموين)، بالإضافة إلى مؤسسات حكومية مهمة (مجلسا الوزراء والشعب). وكثيراً ما التقط صحافيون صوراً لأسوار وزارات نُصبت عليها حوامل حديدية تمتلئ بالبضاعة مثل الحقائب والأحذية والملابس، كذلك الداخلية منها.
لم يتأفف الموظفون من ذلك، فهم عند انتهاء دوام القطاع الحكومي، وقبل أن يستقلوا المترو متوجهين إلى منازلهم، يشترون احتياجاتهم من أمام المحطات مباشرة. ابتسام صبحي موظفة في ديوان عام وزارة التعليم العالي في شارع قصر العيني، تقول لـ"العربي الجديد": "أخرج من العمل وأجد كل شيء أمامي. فأشتري الخضار والفواكه، وأتوجّه إلى منفذ شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية الواقع قبالة المحطة تحديداً، وأشتري ما ينقصني من مؤونة". تضيف أنّ "المترو ليس مجرّد وسيلة نقل. هو عملية حساب للوقت والمال لا تفهمها إلا أسر الطبقة الوسطى". وتسأل: "الطالب الجامعي، كيف يكفيه مصروفه إذا كان مضطراً إلى دفع 14 جنيهاً (0.8 دولار أميركي) يومياً لركوب المترو فقط؟ والأسر التي تضمّ طالبين أو ثلاثة طلاب، ماذا تفعل؟ هل تبقيهم بلا تعليم؟".
ويبدو أنّ هذه الأسر هي المتضرّر الأكبر من قرار الحكومة المصرية الأخير، ممثلة في وزارة النقل، بزيادة سعر تذكرة المترو بعد تقسيمها إلى ثلاث شرائح تبدأ مع ثلاثة جنيهات (نحو 0.17 دولار) لركاب تسع محطات، ثمّ خمسة جنيهات (نحو 0.3 دولار) لركاب 16 محطة، وتصل إلى سبعة جنيهات (نحو 0.4 دولار) للركاب الذين يجتازون أكثر من 16 محطة.
وقد أحدث هذا القرار صدمة كبيرة في الشارع المصري، على الرغم من التلميحات المبطنة التي سبقته قبل أشهر. فالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كان قد تحدّث في 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن التكلفة الباهظة لحفر أنفاق المترو، التي قد تصل إلى 30 مليار جنيه (نحو مليار و700 مليون دولار)، مشيراً إلى أنّه لا يمكن استمرار العمل بمثل أسعار التذاكر المعمول بها حالياً (آنذاك) في المستقبل، وأضاف: "لا يمكن عمل مشروعات مترو الأنفاق وسعر التذكرة مثل سعر اليوم ولا حتى ثلاثة أضعافه، وأنا جاهز للتنفيذ لو كانت الشركات جاهزة".
وبعد ذلك بأيام قليلة، خرج وزير النقل المصري، هشام عرفات، بتصريحات مشابهة ومتمّمة لما قاله السيسي، إذ أعلن أنّ "أيّ زيادة في قيمة تذكرة المترو تصبّ في مصلحة المواطن، وحتى تتمكن الدولة من الصرف على المستشفيات والمدارس والإنفاق على الصيانة المستمرة لخطوط المترو، خصوصاً الخط الأول". أضاف: "ستتم زيادة أسعار تذاكر المترو في شهر يونيو/ حزيران 2018 بواقع ستة (نحو 0.34 دولار) جنيهات كحد أقصى".
ثم بادرت الحكومة برفع أسعار التذاكر من دون الالتزام بالحد الأقصى الذي فرضته على نفسها من قبل، وتركت المصريين في حالة من الغضب المكبوت، الذي نفّس عنه عدد قليل من المواطنين خلال الأيام الماضية على أرصفة محطات المترو، وكانت عصيّ الأمن المركزي في مواجهتهم في الداخل وسيارات الشرطة في الخارج. ويشير محامون حقوقيون إلى أنّ عدد الذين ألقي القبض عليهم على خلفية احتجاجات المترو تخطّى 20 مواطناً، منهم 10 مواطنين من داخل محطة السادات. ومن بين هؤلاء عضوا حزب العيش والحرية المصري، أسماء عبد الحميد وعبير هشام فهمي.
قُرب الشقة من محطة المترو (قطار الأنفاق) كان واحداً من أبرز المعايير، إلى جانب مساحتها وموقعها وغير ذلك. بالنسبة إلى إلهام، فإنّ محطة مترو في الجوار من شأنها أن تسهل الحركة على ابنتها الملتحقة بالجامعة، إذ وسيلة النقل تلك مباشرة وآمنة ورخيصة التكلفة وسريعة. كذلك فإنّ أبناءها الآخرين في مراحل دراسية مختلفة، وسوف يلتحقون بدورهم بالجامعات خلال سنوات، قبل أن يشقّوا دروبهم في الحياة المهنية.
آنذاك، كان في مصر خطان للمترو، الأوّل هو خط المرج / حلوان ويربط شمال القاهرة بجنوبها، والثاني خط شبرا / الجيزة ويغطي القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية)، فيمتد من شبرا الخيمة في القليوبية حتى ضواحي الجيزة جنوباً. أمّا اليوم، فقد أضيف إلى الخطَين خط ثالث يمتد في مراحله المنجزة حالياً من وسط القاهرة حتى مصر الجديدة ومدينة نصر، ومن المفترض أن يربط بين مطار القاهرة والامتداد الشرقي لمحافظة الجيزة. كذلك، فقد وافقت الحكومة المصرية، في ديسمبر/ كانون الأول 2010، على إقامة الخط الرابع لمترو الأنفاق في القاهرة الكبرى، ومن المقرر أن ينطلق من حيّ الهرم بالجيزة ليمتد إلى مدخل مدينة 6 أكتوبر مع طريق الواحات والفيوم.
وكان سعر التذكرة حينها جنيهاً مصرياً واحداً قبل أن ترفعه الحكومة الحالية إلى جنيهَين في مارس/ آذار 2017، بعد أيام قليلة من رفعها أسعار كل المواد النفطية والكهرباء، بالإضافة إلى رسوم عدد من الخدمات. هكذا، كان كثيرون من أبناء الطبقة الوسطى في مصر يحرصون على السكن في مناطق قريبة من محطات المترو لتسهيل حياة الطلاب والموظفين، بل إنّ أحياء سكنية كاملة أُقيمت في تلك المناطق لمجرّد مرور أحد خطوط المترو فيها. ودبّت فيها الحياة واتّجهت إليها أنظار المقاولين. فتغيّرت خريطة العمران في القاهرة الكبرى وتغيّرت معها أسعار السكن، كلما شقّت الحكومة خطاً للمترو أو مرحلة جديدة. وقد غيّر المترو نمط البيع والشراء في مصر، إذ أقيمت خارج محطاته أسواق شعبية وصارت تلك المحطات مراكز للحركة والتسوّق.
ويشهد على ذلك شارع قصر العيني الذي يصبّ في ميدان التحرير مباشرة، فهذا الشارع الحيوي يمتد على ثلاث محطات مترو في الخط الأول، وهي السيدة زينب وسعد زغلول والتحرير، وقد تحوّلت الشوارع الجانبية إلى مراكز أسواق شعبية توفّر كل المستلزمات من خضراوات وفواكه وملابس وخردوات وغيرها. يُذكر أنّ في المنطقة وزارات (التربية والتعليم والصحة والتضامن والتموين)، بالإضافة إلى مؤسسات حكومية مهمة (مجلسا الوزراء والشعب). وكثيراً ما التقط صحافيون صوراً لأسوار وزارات نُصبت عليها حوامل حديدية تمتلئ بالبضاعة مثل الحقائب والأحذية والملابس، كذلك الداخلية منها.
لم يتأفف الموظفون من ذلك، فهم عند انتهاء دوام القطاع الحكومي، وقبل أن يستقلوا المترو متوجهين إلى منازلهم، يشترون احتياجاتهم من أمام المحطات مباشرة. ابتسام صبحي موظفة في ديوان عام وزارة التعليم العالي في شارع قصر العيني، تقول لـ"العربي الجديد": "أخرج من العمل وأجد كل شيء أمامي. فأشتري الخضار والفواكه، وأتوجّه إلى منفذ شركة الأهرام للمجمعات الاستهلاكية الواقع قبالة المحطة تحديداً، وأشتري ما ينقصني من مؤونة". تضيف أنّ "المترو ليس مجرّد وسيلة نقل. هو عملية حساب للوقت والمال لا تفهمها إلا أسر الطبقة الوسطى". وتسأل: "الطالب الجامعي، كيف يكفيه مصروفه إذا كان مضطراً إلى دفع 14 جنيهاً (0.8 دولار أميركي) يومياً لركوب المترو فقط؟ والأسر التي تضمّ طالبين أو ثلاثة طلاب، ماذا تفعل؟ هل تبقيهم بلا تعليم؟".
ويبدو أنّ هذه الأسر هي المتضرّر الأكبر من قرار الحكومة المصرية الأخير، ممثلة في وزارة النقل، بزيادة سعر تذكرة المترو بعد تقسيمها إلى ثلاث شرائح تبدأ مع ثلاثة جنيهات (نحو 0.17 دولار) لركاب تسع محطات، ثمّ خمسة جنيهات (نحو 0.3 دولار) لركاب 16 محطة، وتصل إلى سبعة جنيهات (نحو 0.4 دولار) للركاب الذين يجتازون أكثر من 16 محطة.
وقد أحدث هذا القرار صدمة كبيرة في الشارع المصري، على الرغم من التلميحات المبطنة التي سبقته قبل أشهر. فالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كان قد تحدّث في 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي عن التكلفة الباهظة لحفر أنفاق المترو، التي قد تصل إلى 30 مليار جنيه (نحو مليار و700 مليون دولار)، مشيراً إلى أنّه لا يمكن استمرار العمل بمثل أسعار التذاكر المعمول بها حالياً (آنذاك) في المستقبل، وأضاف: "لا يمكن عمل مشروعات مترو الأنفاق وسعر التذكرة مثل سعر اليوم ولا حتى ثلاثة أضعافه، وأنا جاهز للتنفيذ لو كانت الشركات جاهزة".
وبعد ذلك بأيام قليلة، خرج وزير النقل المصري، هشام عرفات، بتصريحات مشابهة ومتمّمة لما قاله السيسي، إذ أعلن أنّ "أيّ زيادة في قيمة تذكرة المترو تصبّ في مصلحة المواطن، وحتى تتمكن الدولة من الصرف على المستشفيات والمدارس والإنفاق على الصيانة المستمرة لخطوط المترو، خصوصاً الخط الأول". أضاف: "ستتم زيادة أسعار تذاكر المترو في شهر يونيو/ حزيران 2018 بواقع ستة (نحو 0.34 دولار) جنيهات كحد أقصى".
ثم بادرت الحكومة برفع أسعار التذاكر من دون الالتزام بالحد الأقصى الذي فرضته على نفسها من قبل، وتركت المصريين في حالة من الغضب المكبوت، الذي نفّس عنه عدد قليل من المواطنين خلال الأيام الماضية على أرصفة محطات المترو، وكانت عصيّ الأمن المركزي في مواجهتهم في الداخل وسيارات الشرطة في الخارج. ويشير محامون حقوقيون إلى أنّ عدد الذين ألقي القبض عليهم على خلفية احتجاجات المترو تخطّى 20 مواطناً، منهم 10 مواطنين من داخل محطة السادات. ومن بين هؤلاء عضوا حزب العيش والحرية المصري، أسماء عبد الحميد وعبير هشام فهمي.