أثار دخول حظر ارتداء النقاب حيز التنفيذ، جدالا وحراكاً في الشارع الدنماركي، عُبر عنه بمواقف معارضة ومؤيدة في تظاهرات وتحركات شهدتها كوبنهاغن وآرهوس، وسط البلاد.
وخرج العشرات وسط كوبنهاغن للتعبير عن رفضهم للقرار، بينهم ساسة يساريون، ودنماركيون ارتدى بعضهم نقابا وأغطية وجه وأقنعة وقبعات ولحى مستعارة ورؤوس خيل وواقيات فم وأنف طبية حظرها القانون، للتعبير عن "التضامن مع نسوة تفرض عليهن غرامات لأنهن اخترن أن يرتدين ما أردن"، وفقا لما تقول لـ"العربي الجديد" ميتا أندرسون في حي نوربرو في كوبنهاغن.
ومثل ميتا عبر عشرات الشباب الدنماركيين عن رفضهم للقرار، "فهو تعبير جديد عن مدى تأثير اليمين المتشدد في حياتنا اليوم، نرفض أن نصبح رهائن للإسلاموفوبيا في بلد متعدد الأديان والثقافات، ويحمي الدستور حقوق الجميع"، وفقا لما يذكر مورتن اسوترغورد، وهو يضع على وجهه غطاء في تظاهرة في وسط آرهوس.
وفي نفس المدينة، آرهوس، كان لافتا وجود فتيات ونسوة دنماركيات إلى جانب مسلمات يرتدين النقاب، رغم أنهن عادة لا يفعلن، للتعبير عن احتجاجهن على القرار. وقالت التربوية بيرغيتا سورنس لـ"العربي الجديد" " كان مؤسفا أن يمرر الحظر بهذا الشكل الذي أراده الشعبويون في بلدنا، ويبدو لي أن يسار الوسط لم يعد له من اسمه نصيب، فلا هو اجتماعي ولا ديمقراطي، في تماهيه مع اليمين المتطرف".
وتشير بيرغيتا بذلك إلى تبني البرلمان الدنماركي في نهاية مايو/أيار الماضي بأغلبية 75 صوتا ومعارضة 30 من أصل 178 نائبا لقرار الحظر، حيث صوتت أغلبية يسار الوسط، باستثناءات قليلة جدا، لمصلحة القرار، فيما عارضه من يمين الوسط حزب "تحالف الليبراليين"، من منطلق "الحريات الشخصية".
وانضم حزب الاجتماعيين الديمقراطيين، بعد سنوات من تمنعه لمصلحة حظر النقاب، إلى اليمين المتشدد والمحافظين والليبراليين "فينسترا"، الذي يقود الحكومة الائتلافية بزعامة لارس لوكا راسموسن.
وكان من اللافت أن اليسار الدنماركي، وحزب راديكال فينسترا (يسار وسط) رفضا القرار. ويوضح لـ"العربي الجديد" عضو قيادة حزب اللائحة الموحدة، هانس يورغن، أنه يتواجد في تظاهرة آرهوس "للتعبير عن رفض حزبنا القاطع لسياسات التخويف وعزل المسلمين بحجة بضع نساء يرتدين النقاب، انظر حولك وستعرف أن كل المنقبات هن اليوم لسن بالأصل منقبات، وهو ما يعرفه الساسة المحليون في كل مناطق الدنمارك، والمشرعون في البرلمان، ولكن للأسف نحن نرى موجة تساوق مع الشعبوية في بلدنا".
ويشير يورغن إلى قلة عدد المنقبات في الدنمارك، "فهي بالنسبة لي ليست رسالة لحفنة منقبات، بل للمواطنين المسلمين أنهم ليسوا جزءا من مجتمع الدنمارك، فيما الحقيقة تقول إن نصف المنقبات تقريبا دنماركيات".
من جهتها تقول شابة دنماركية منقبة، تينا، لـ"العربي الجديد" إنها باتت تفكر بترك بلدها والرحيل عنه، ربما إلى كندا، "فزوجي بصراحة يرفض أيضا النقاب، لكنه يقبل اختياري فيما مجتمعي بات يرفضني، ... حين أقول له هيا نرحل إلى بلد عربي يجيبني بأسى أنه أصلا هناك مضايقات أكثر، لذا أحاول إقناعه لما سمعته عن التسامح في كندا".
وفي ردها على تذرع المشرعين والسياسيين بفرض حظر النقاب بأنه لإنهاء ما يسمى "السيطرة الاجتماعية"، بتغريم مرتديته نحو 140 يورو (ألف كرونة) تقول تينا: "هم يريدون بنا العودة إلى عصور عبودية، يعني أن تدفع من أجل حريتك، لن ألتزم ولن أنزع النقاب مهما غرموني، فليغرموني عدد المرات التي يوقفوني فيها، فهم يمارسون اليوم سيطرة مجتمعية أكثر مما يدعون محاربتها".
فيما تقول صباح لـ"العربي الجديد": "رغم أنني عادة لا أرتدي النقاب ولا الحجاب فقد انتقبت اليوم خصيصا مثل البقية لإرسال رسالة احتجاج على مخالفة الدستور وحرية الناس واستهداف فئة محددة من المواطنين، وسنبادر إلى جمع توقيعات لمبادرة شعبية لإلغاء هذا الحظر الذي يسيء إلى الدنمارك".
وتخشى صباح أن يتحول الحظر إلى ما تسميه "تطبيقا ذاتيا للكارهين في الشارع، فتصاب الدنمارك بمزيد من الفرز والانقسام". وهي بذات الوقت ترى أنه "مسبقا تتعرض بعض النساء المحجبات لاعتداءات لفظية ومحاولة نزع حجاب، ومنذ أن اتخذ القرار (في أواخر مايو/أيار الماضي) بدأت الكثير من الفتيات والنساء يلحظن زيادة في العدوانية في الشارع، إذ إنك أيضا أمام جهل الناس في الخلط بين الحجاب والنقاب".
بدوره يؤكد موظف رسمي في قطاع الدمج في آرهوس، بيتر أكسلسن، لـ"العربي الجديد" خشيته "أن يستغل قانون الحظر لفرض مزيد من العزلة وإرسال رسالة خاطئة عن معنى الدمج، فأنت أمام حالات قليلة من المنقبات، ورغم ذلك كأنه يراد أن يعزلن تماما ولا يخرجن إلى الفضاء العام، ومن خلفهن ستفهم الرسائل بشكل خاطئ من قبل المسلمين عموما والدنماركيين وكأنه بالفعل صدام ثقافي".
تعقيب بيتر حول هذه المسألة يأتي في أعقاب تبرير اليمين المتشدد لما اعتبره "انتصارا للثقافة الدنماركية" بعد فرض الحظر، إذ منذ 9 سنوات وحزب الشعب يكرر أنه "تجب مواجهة الإسلام السياسي في الدنمارك وكل الرموز الإسلامية التي لا مكان لها ولا تتسق والثقافة الدنماركية".
واللافت في الانقسام المجتمعي حول قضية حظر النقاب أنه امتد إلى المهاجرين، حيث عبر البعض عن "السعادة لبدء العمل الفعلي لوقف التشدد الإسلامي في الدنمارك"، بحسب ما يذكر لـ"العربي الجديد" مسعود، وهو لاجئ إيراني ناشط في جمعية دنماركية متشددة ضد الإسلام.
وفي نفس الاتجاه يعبر المشرع ناصر خضر عن رضاه على بدء تطبيق الحظر في الدنمارك، بعد فرنسا وبلجيكا ومناطق سويسرية. وتعبر الناشطة النسوية والسياسية أمينة سردار في حديثها للتلفزيون الدنماركي عن سعادتها لتطبيق القانون، أثناء تسليم عضو البرلمان المبادر للحظر، مارتن هنركسن، للوحة السيدة التي ترمز إلى مسلمة عارية نزع عنها النقاب بالقول "إن النقاب ليس مذكورا في القرآن، بل هو مسألة ثقافة، ومن غير المقبول أن تقف في نيتو (أحد متاجر سلسة سوبرماركات شعبية) إلى جانب منقبة ولا ترى وجهها".
هذا الانقسام يخشى الشاب وسيم من تحوله لصدام في القادم من الأيام "بمعنى إذا رأيت أحدهم يأخذ القانون بيده، ويحاول أذية محجبة أو منقبة، وهناك بالفعل خشية أن يقوم البعض بالتصرف هكذا وهو أمر رأيناه سابقا، فمن المحتمل أن يتدخل شباب مسلمون لرفع الأذية ما يدخلنا في صدامات غير جيدة للمجتمع".
وسيم، وهو طالب في الحقوق، يرى أنه "لم يكن هناك من داع لقانون الحظر بهذا الشكل، وأصلا نقابة الشرطة ترى فيها كارثة في التطبيق، على سمعة الشرطة والدنمارك، في حال انتقل خبر توقيف وتغريم إحداهن بشكل غير لائق فهذا غير جيد للدنمارك على الإطلاق".
ويأمل بيتر أكسلسن أن لا تصل الأمور إلى "أزمة بين المسلمين والدنمارك كما حدث في قضية الرسوم الكاريكتورية المسيئة للنبي محمد، فتلك ستكون مصيبة أخرى، وأتمنى أن يفكر السياسيون مليا قبل الانجرار خلف الشعبوية التي تكتسح أوروبا اليوم".
والجدير ذكره أن نقابة الشرطة الدنماركية عبرت أمس عن خشيتها من غياب تفاصيل تطبيق منع النقاب في الشارع والفضاء العام. ورغم ذلك منحت الشرطة الوطنية أفرعها "تقدير الموقف من حالة لأخرى لتقييم ما إذا كان هناك مخالفة، مع احترام كرامة الناس وعدم التصرف معهم بما يخل في احترامهم، حتى أثناء الطلب منهم الانتقال إلى مخافر الشرطة".
وفي ظل غياب معلومات دقيقة عما إذا كان القرار يشمل زائرين وسائحين تذكر الشرطة الدنماركية في رد على اتصال "العربي الجديد" أنها "تلتزم فقط بالإرشادات العامة للحظر".
ولم يتسن لـ"العربي الجديد" الحصول على جواب من البرلمان حول "تطبيق الحظر على غير المقيمين". ورفض من جانبه مكتب السياسي مارتن هنركسن الجواب على استفسار "العربي الجديد" في الخصوص صباح اليوم الخميس.