أولئك الراغبون في الفرار إلى "الغربة"، لا بد أن يُقابلهم أشخاص يتحدثون عن غربة صعبة ووحدة وما إلى ذلك من عبارات مصاحبة. في لبنان، يبدو أن الشتاء كان ساتراً للعيوب. فالصيف الذي جاء محمّلاً بدرجات حرارة مرتفعة، جعل رائحة النفايات وغيرها تستقرّ في أنوف اللبنانيين.
واللبنانيون أنفسهم يسخرون من قدرتهم على التحمّل، ومن مرونة اكتسبوها بـ "الخبرة" بعد سنوات طويلة من العمل على "إسكاتهم" ديمقراطياً، ومن دون عنفٍ يُذكر، أقلّه بالمقارنة مع دول أخرى. واليوم، سَكَت معظم اللبنانيين، وتآلفوا أو اعتادوا الروائح المختلطة التي تأخذ أماكنها في سماء المدينة. الميسورون منهم، يقضون الإجازة الصيفية في مناطق جبلية، عازلين أنفسهم عمّا تحمله العاصمة بيروت لهم من مشاكل صحية ــ نفسية. والآخرون يتآلفون. هل حقاً تشتمّون روائح كريهة في العاصمة بيروت؟ يرجّح أن في الأمر مبالغة.
وعلى أية حال، فحين ينزل قليلون إلى الشارع للمطالبة بحقوقٍ للنساء هي حقوق للأسرة في آن، أو تنزل قلة للتضامن مع الجامعة اللبنانية، أو الاحتجاج على الغلاء في ظل الأزمة الاقتصادية، أو يشترون سيارات ويدفعون المال بدلاً من المطالبة وبشكل كثيف بوسائل نقل عامة نظيفة ومرتبة، والقيادة ساعة أو أكثر خارج بيروت بحثاً عن شاطئ نظيف للسباحة، فهذا يعني أن روائح النفايات، وإن كانت موجودة، إلا أنها ليست مزعجة إلى درجة كبيرة، كما أنها لا تعلق بالثياب على غرار دخان السجائر. أيّهما أكثر إزعاجاً إذاً؟
اقــرأ أيضاً
بعد كلّ هذا اليأس، يبقى لنا حلم الهجرة إلى شوارع نظيفة وإنسانية... لا أكثر. والرفاهية؟ ليست أولوية بالنسبة إلينا. يعنينا أن نكون قادرين على المشي على امتداد الكورنيش البحري من دون أن تنبعث أية روائح من هنا أو هناك. لكن يقولون إن الغربة صعبة، أو يطرحون أسئلة من قبيل: "أتعتقد أنك ستكون سعيداً في بلد آخر بعيداً عن أهلك وأصدقائك"؟ هؤلاء لا يبحثون عن بديل يؤمّن لهم السعادة بل الراحة، بعيداً عن تفاصيل صغيرة تزيد فوق أكتافهم الضغوط يوماً بعد آخر.
في أي خارج، أو ذلك الذي نحلم به بديلاً، ثمّة بقعة متكاملة الأطراف لأيّ إنسان. ثمّة مساحة له ولأفكاره وأحلامه وخطاه التي تقوده إلى المستقبل.
الغربة صعبة والبقاء صعب والاستمرار بين خيارين، كلاهما أصعب من الآخر، يكاد يكون منهكاً. إلا أن اللبنانيين وجدوا الحلّ في المرونة والتجاهل. إذاً... كأنّ شيئاً لم يكن. هل ما زال وقعُ العيش ثقيلاً هنا؟ الراديو يبثّ أغنيات جميلة وقديمة وراقصة طوال الوقت. عدّل مزاجك إذاً.
واللبنانيون أنفسهم يسخرون من قدرتهم على التحمّل، ومن مرونة اكتسبوها بـ "الخبرة" بعد سنوات طويلة من العمل على "إسكاتهم" ديمقراطياً، ومن دون عنفٍ يُذكر، أقلّه بالمقارنة مع دول أخرى. واليوم، سَكَت معظم اللبنانيين، وتآلفوا أو اعتادوا الروائح المختلطة التي تأخذ أماكنها في سماء المدينة. الميسورون منهم، يقضون الإجازة الصيفية في مناطق جبلية، عازلين أنفسهم عمّا تحمله العاصمة بيروت لهم من مشاكل صحية ــ نفسية. والآخرون يتآلفون. هل حقاً تشتمّون روائح كريهة في العاصمة بيروت؟ يرجّح أن في الأمر مبالغة.
وعلى أية حال، فحين ينزل قليلون إلى الشارع للمطالبة بحقوقٍ للنساء هي حقوق للأسرة في آن، أو تنزل قلة للتضامن مع الجامعة اللبنانية، أو الاحتجاج على الغلاء في ظل الأزمة الاقتصادية، أو يشترون سيارات ويدفعون المال بدلاً من المطالبة وبشكل كثيف بوسائل نقل عامة نظيفة ومرتبة، والقيادة ساعة أو أكثر خارج بيروت بحثاً عن شاطئ نظيف للسباحة، فهذا يعني أن روائح النفايات، وإن كانت موجودة، إلا أنها ليست مزعجة إلى درجة كبيرة، كما أنها لا تعلق بالثياب على غرار دخان السجائر. أيّهما أكثر إزعاجاً إذاً؟
بعد كلّ هذا اليأس، يبقى لنا حلم الهجرة إلى شوارع نظيفة وإنسانية... لا أكثر. والرفاهية؟ ليست أولوية بالنسبة إلينا. يعنينا أن نكون قادرين على المشي على امتداد الكورنيش البحري من دون أن تنبعث أية روائح من هنا أو هناك. لكن يقولون إن الغربة صعبة، أو يطرحون أسئلة من قبيل: "أتعتقد أنك ستكون سعيداً في بلد آخر بعيداً عن أهلك وأصدقائك"؟ هؤلاء لا يبحثون عن بديل يؤمّن لهم السعادة بل الراحة، بعيداً عن تفاصيل صغيرة تزيد فوق أكتافهم الضغوط يوماً بعد آخر.
في أي خارج، أو ذلك الذي نحلم به بديلاً، ثمّة بقعة متكاملة الأطراف لأيّ إنسان. ثمّة مساحة له ولأفكاره وأحلامه وخطاه التي تقوده إلى المستقبل.
الغربة صعبة والبقاء صعب والاستمرار بين خيارين، كلاهما أصعب من الآخر، يكاد يكون منهكاً. إلا أن اللبنانيين وجدوا الحلّ في المرونة والتجاهل. إذاً... كأنّ شيئاً لم يكن. هل ما زال وقعُ العيش ثقيلاً هنا؟ الراديو يبثّ أغنيات جميلة وقديمة وراقصة طوال الوقت. عدّل مزاجك إذاً.