تقترب العطلة الصيفية في فرنسا. بعض المدارس انتهت من إعداد الامتحانات، في وقت ما زال بعض التلاميذ يُجرون الامتحانات في أخرى. وتبدأ الكثير من العائلات العربية في التفكير في الطريقة المثلى لجعل أبنائها يعيشون فترة عطلة أكثر فائدة وأقل مللاً، على غرار عائلة الخطابي التي تضم ستة أفراد، أكبرهم تجاوز العشرين وأصغرهم لم يتجاوز العاشرة بعد.
يقول الأب الذي يتقاعد في وقت قريب: "الأمر ليس سهلاً حين يكبر الأطفال. حين يكونون صغاراً، نصطحبهم إلى بلادنا". يضيف: "لا أتصور أن تمر السنة من دون زيارة الأهل في المغرب. كنت أزور والديّ، وحين رحلا، وَاظبتُ على زيارة إخوتي وأهلي وأصدقائي. رائحة بلادي تدعوني". ويتذكر مرة واحدة اضطر فيها إلى إرجاء زيارته بسبب ولادة أحد أبنائه، ومرض زوجته. "أحسستُ بأن شيئاً ما يمزقني من الأعماق. وفعلاً، سافرت، خلال أيام قصيرة وحدي".
حال عائلة الخطابي تتشابه مع عائلات كثيرة تعد فيها فترة العطلة الصيفية فترة احتقان ومشاكل. عبد السلام بن موسى، من أصول جزائرية، يعترف بأن أبناءه المراهقين لا يطيقون السفر إلى مدينة وهران كل عام. ويقول: "مراد، ابننا الأكبر، رفض السفر معنا إلى الجزائر، واقترح أن نسافر إلى بلدان أخرى لا نعرفها، كإسبانيا والبرتغال واليونان وتركيا". يضيف عبد السلام: "حين قلت له إنني أود رؤية والدي، أي جدك، أجاب على الفور: والدي معي طوال العام".
يحاول الآباء الحفاظ على علاقاتهم مع بلدانهم الأصلية. لكنّ الأبناء، خصوصاً في فترة المراهقة، يكونون مرتبطين بمشاغل خاصة وأصدقاء من كل الجنسيات، ويفكرون في أماكن سياحية جديدة. يقول مراد: "أبي لا يقول الحقيقة كلها. حين نسافر إلى بلاد الآباء والأجداد، لا نذهب إلى أماكن سياحية. بل نبقى خلال شهر كامل أو أكثر في المكان نفسه، أي في مدينة وهران، علماً أن الجزائر بلد كبير".
اقــرأ أيضاً
تقاطعه شقيقته قائلة: "نحن لا نعرف الجزائر إلا خلال فترات الصيف. وُلدنا هنا، ونحن فرنسيون أكثر من كوننا جزائريين. ما الذي يجعلني مختلفة عن صديقتي فاطمة البرتغالية الأصل؟ هي التي جالت أوروبا كلها تقريباً، ولم تعد إلى بلد أجدادها سوى مراتٍ قليلة؟".
في المقابل، يحاول عبد الجواد القيرواني، وهو من أصول تونسية، حل هذه المعضلة. لا يخفي عن أبنائه رغبته في أن يسافروا معه إلى أرض الوطن: "حين يكونون مترددين، وأنا أرفض إجبارهم على السفر من دون رغبتهم، أعدهم بالهدايا في حال سافروا معي. وعادة ما تعجبهم الإغراءات. بالطبع أُنفّذُها، فلا شيء أكثر إيلاماً من أن تعد طفلاً بشيء ولا تنفذه".
لكن تونس تختلف عن البلدان العربية الأخرى. تركيز اقتصادها على السياحة الرخيصة جعل الكثيرين في فرنسا يعرفونها، ما يشجع حتى أبناء المهاجرين من أصول تونسية على السفر إليها "لرؤية العائلة والسياحة". يقول القيرواني: "كثيراً ما يلتقي أبنائي في تونس بأصدقاء وزملاء فرنسيين أتوا للسياحة، مستفيدين من عروض رخيصة في البلد".
من جهته، يقول الحاج المتقاعد يزيد بومعزة، الذي يزور، دونما انقطاع، مدينته مستغانم منذ 45 عاماً، إن أبناءه يزورون كل بلاد العالم ويقاطعون بلادهم، ما يشعره بالأسى: "أتصور نفسي وقد فشلتُ. كنت أعتقد أن إقامتي في فرنسا لن تتجاوز سنوات قليلة، وأعود بعدها لبناء مشروع تجاري للعائلة. وإذا بي أحصل على راتبي التقاعدي فيها وأنجب فيها كل أبنائي".
يضيف: "أسباب السفر مختلفة من شخص إلى آخر، إذ أن الأبناء والأحفاد يسافرون من أجل رؤية أشياء لا يعرفونها في بلاد الله الواسعة، والاستمتاع، بينما أنا لم أسافر إلا من أجل العمل". يضيف بنوع من الأسى: "يبدو لي أنني خسرتهم بعض الشيء. كلما حدثتهم عن البلاد واجهوني بأنهم فرنسيون، وأن بلدهم هي فرنسا". يضيف: "حين أموت، يريدون أن أدفن في فرنسا ولا أُحْمَل إلى مستغانم، على الرغم من أنني كتبت ذلك في وصيتي".
في المقابل، فإن بعض العائلات من أصول عربية تشجع أبناءها على السفر والسياحة في كل البلدان، واكتشاف آفاق جديدة. وهذا حال رشيد الدحماني. يقول: "نحن في زمن العولمة. من قال لك إن أبنائي سيظلون في فرنسا؟ الواجب الأساسي عليّ هو الإنفاق عليهم، ما أستطيع، وتعليمهم تعليماً عالياً، حتى تكون حظوظهم كبيرة في المستقبل، والعمل في بلدان مختلفة، سواء كانت عربية أو غير عربية".
اقــرأ أيضاً
ولا يخشى الدحماني ضياع أواصر الأبناء في أرض الأجداد. يقول: "الأبناء المتعلمون جيداً يعرفون كل شيء. ثم إن ظروف الاندماج صعبة، إذ سيقابلون عنصريين يُعيّرونهم بأصولهم غير الفرنسية". يضيف أن "الحب لا يجب أن يكون من جانب واحد. صحيح أنّه علينا أن نربي أبناءنا على محبة بلدان آبائهم، لكن أيضاً، من واجب حكوماتنا العربية أن تنفتح على هذه الكنوز والأدمغة، وألا تكتفي بالتعامل معها كمصدر للعملة الصعبة".
موقف يؤكده لنا الباحث الفرنسي اليامين ستّول. يقول: "الكثير من الفرنسيين من أصول عربية يجدون صعوبة في العثور على عمل في فرنسا. وهذه حقيقة تعترف بها الحكومات الفرنسية، ما يضطرهم للسفر إلى أميركا وكندا وبلدان آسيوية". يضيف: "إذا كانت الحكومات العربية تريد، حقاً، ووفق سياسات مدروسة، تنمية بلدانها، ما عليها سوى أن تنفتح على هذه الطاقات ولا تتركها في بلاد الله، وتستفيد منها اليابان وسنغافورة وكندا وغيرها".
يقول الأب الذي يتقاعد في وقت قريب: "الأمر ليس سهلاً حين يكبر الأطفال. حين يكونون صغاراً، نصطحبهم إلى بلادنا". يضيف: "لا أتصور أن تمر السنة من دون زيارة الأهل في المغرب. كنت أزور والديّ، وحين رحلا، وَاظبتُ على زيارة إخوتي وأهلي وأصدقائي. رائحة بلادي تدعوني". ويتذكر مرة واحدة اضطر فيها إلى إرجاء زيارته بسبب ولادة أحد أبنائه، ومرض زوجته. "أحسستُ بأن شيئاً ما يمزقني من الأعماق. وفعلاً، سافرت، خلال أيام قصيرة وحدي".
حال عائلة الخطابي تتشابه مع عائلات كثيرة تعد فيها فترة العطلة الصيفية فترة احتقان ومشاكل. عبد السلام بن موسى، من أصول جزائرية، يعترف بأن أبناءه المراهقين لا يطيقون السفر إلى مدينة وهران كل عام. ويقول: "مراد، ابننا الأكبر، رفض السفر معنا إلى الجزائر، واقترح أن نسافر إلى بلدان أخرى لا نعرفها، كإسبانيا والبرتغال واليونان وتركيا". يضيف عبد السلام: "حين قلت له إنني أود رؤية والدي، أي جدك، أجاب على الفور: والدي معي طوال العام".
يحاول الآباء الحفاظ على علاقاتهم مع بلدانهم الأصلية. لكنّ الأبناء، خصوصاً في فترة المراهقة، يكونون مرتبطين بمشاغل خاصة وأصدقاء من كل الجنسيات، ويفكرون في أماكن سياحية جديدة. يقول مراد: "أبي لا يقول الحقيقة كلها. حين نسافر إلى بلاد الآباء والأجداد، لا نذهب إلى أماكن سياحية. بل نبقى خلال شهر كامل أو أكثر في المكان نفسه، أي في مدينة وهران، علماً أن الجزائر بلد كبير".
تقاطعه شقيقته قائلة: "نحن لا نعرف الجزائر إلا خلال فترات الصيف. وُلدنا هنا، ونحن فرنسيون أكثر من كوننا جزائريين. ما الذي يجعلني مختلفة عن صديقتي فاطمة البرتغالية الأصل؟ هي التي جالت أوروبا كلها تقريباً، ولم تعد إلى بلد أجدادها سوى مراتٍ قليلة؟".
في المقابل، يحاول عبد الجواد القيرواني، وهو من أصول تونسية، حل هذه المعضلة. لا يخفي عن أبنائه رغبته في أن يسافروا معه إلى أرض الوطن: "حين يكونون مترددين، وأنا أرفض إجبارهم على السفر من دون رغبتهم، أعدهم بالهدايا في حال سافروا معي. وعادة ما تعجبهم الإغراءات. بالطبع أُنفّذُها، فلا شيء أكثر إيلاماً من أن تعد طفلاً بشيء ولا تنفذه".
لكن تونس تختلف عن البلدان العربية الأخرى. تركيز اقتصادها على السياحة الرخيصة جعل الكثيرين في فرنسا يعرفونها، ما يشجع حتى أبناء المهاجرين من أصول تونسية على السفر إليها "لرؤية العائلة والسياحة". يقول القيرواني: "كثيراً ما يلتقي أبنائي في تونس بأصدقاء وزملاء فرنسيين أتوا للسياحة، مستفيدين من عروض رخيصة في البلد".
من جهته، يقول الحاج المتقاعد يزيد بومعزة، الذي يزور، دونما انقطاع، مدينته مستغانم منذ 45 عاماً، إن أبناءه يزورون كل بلاد العالم ويقاطعون بلادهم، ما يشعره بالأسى: "أتصور نفسي وقد فشلتُ. كنت أعتقد أن إقامتي في فرنسا لن تتجاوز سنوات قليلة، وأعود بعدها لبناء مشروع تجاري للعائلة. وإذا بي أحصل على راتبي التقاعدي فيها وأنجب فيها كل أبنائي".
يضيف: "أسباب السفر مختلفة من شخص إلى آخر، إذ أن الأبناء والأحفاد يسافرون من أجل رؤية أشياء لا يعرفونها في بلاد الله الواسعة، والاستمتاع، بينما أنا لم أسافر إلا من أجل العمل". يضيف بنوع من الأسى: "يبدو لي أنني خسرتهم بعض الشيء. كلما حدثتهم عن البلاد واجهوني بأنهم فرنسيون، وأن بلدهم هي فرنسا". يضيف: "حين أموت، يريدون أن أدفن في فرنسا ولا أُحْمَل إلى مستغانم، على الرغم من أنني كتبت ذلك في وصيتي".
في المقابل، فإن بعض العائلات من أصول عربية تشجع أبناءها على السفر والسياحة في كل البلدان، واكتشاف آفاق جديدة. وهذا حال رشيد الدحماني. يقول: "نحن في زمن العولمة. من قال لك إن أبنائي سيظلون في فرنسا؟ الواجب الأساسي عليّ هو الإنفاق عليهم، ما أستطيع، وتعليمهم تعليماً عالياً، حتى تكون حظوظهم كبيرة في المستقبل، والعمل في بلدان مختلفة، سواء كانت عربية أو غير عربية".
ولا يخشى الدحماني ضياع أواصر الأبناء في أرض الأجداد. يقول: "الأبناء المتعلمون جيداً يعرفون كل شيء. ثم إن ظروف الاندماج صعبة، إذ سيقابلون عنصريين يُعيّرونهم بأصولهم غير الفرنسية". يضيف أن "الحب لا يجب أن يكون من جانب واحد. صحيح أنّه علينا أن نربي أبناءنا على محبة بلدان آبائهم، لكن أيضاً، من واجب حكوماتنا العربية أن تنفتح على هذه الكنوز والأدمغة، وألا تكتفي بالتعامل معها كمصدر للعملة الصعبة".
موقف يؤكده لنا الباحث الفرنسي اليامين ستّول. يقول: "الكثير من الفرنسيين من أصول عربية يجدون صعوبة في العثور على عمل في فرنسا. وهذه حقيقة تعترف بها الحكومات الفرنسية، ما يضطرهم للسفر إلى أميركا وكندا وبلدان آسيوية". يضيف: "إذا كانت الحكومات العربية تريد، حقاً، ووفق سياسات مدروسة، تنمية بلدانها، ما عليها سوى أن تنفتح على هذه الطاقات ولا تتركها في بلاد الله، وتستفيد منها اليابان وسنغافورة وكندا وغيرها".