لم يكن خالد جمال (35 عاماً)، وهو من محافظة سلفيت في الضفة الغربية، يرفض شراء المنتجات الإسرائيلية. لكن منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف العام الماضي، قررالانضمام لحملات مقاطعة منتجات الاحتلال. يقول إن "الحرب الأخيرة رفعت معنوياتنا، وخصوصاً أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق أهدافها".
بالإضافة إلى جمال، امتنع آلاف الفلسطينيين عن شراء منتجات إسرائيلية، بعد مشاهدة حجم الدمار الذي خلّفه الجيش الإسرائيلي. أيضاً، شجعت السلطة في رام الله عمليات المقاطعة في ظل إمعان إسرائيل في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية، ورفضها الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
يؤكّد عدد من الخبراء الاقتصاديّين أن اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي تضرر كثيراً بسبب المقاطعة، وخصوصاً أن الأسواق الفلسطينية كانت تستورد منتجات إسرائيلية بمليارات الدولارات سنوياً. ويشير منسق حملة "ادعم احتلالك" التي تدعو إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، فريد طعم الله، إلى أن "المقاطعة يجب ألا ترتبط بحدث معين، ما يعني أن حملات المقاطعة الشعبية يجب أن تستمر طوال العام".
يضيف أن "مفهوم المقاطعة لدى المواطن تراكمي ويزداد يوماً بعد يوم، ويتعزز مع كل حدث يمر به الشعب الفلسطيني". وفي الآونة الأخيرة، كثرت الحملات الشبابية والشعبية الداعية إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية. وطالبت التجار والمواطنين بوقف استيراد منتجات الاحتلال تحت أي ظرف. واللافت أن هذه الحملات لاقت رواجاً وتجاوباً كبيراً في الشارع الفلسطيني.
وتعودُ حملات المقاطعة إلى الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وشملت وقف التعامل مع منتجات الاحتلال، والامتناع عن العمل داخل الخط الأخضر. وقد انطلقت حملات عدة مع بداية انتفاضة الأقصى.
يوضح طعم الله أن الحملات الشعبية تؤيد وجود قانون فلسطيني يحظر أو يجرم وجود منتجات إسرائيلية في الأسواق الفلسطينية، على أن تكون جزءاً من استراتيجية وطنية شاملة. ويشرح أن "عدم تحقّق الأمر مرتبط بالإرادة السياسية الفلسطينية. فهناك اتفاقيات اقتصادية مبرمة مع الجانب الإسرائيلي، ومن الملاحظ أن الحكومة نأت بنفسها عن حملات المقاطعة أخيراً".
في السياق نفسه، يؤكّد طعم الله أن أهمية المقاطعة تكمن في تنمية الاقتصاد الفلسطيني أكثر منها محاربة اقتصاد الاحتلال، علماً أن الاستهلاك الفلسطيني لمنتجات الاحتلال يصل إلى نحو خمسة مليارات دولار سنوياً. يضيف أن 60 في المائة من هذا الرقم لا يمكن الاستغناء عنه لأنه متعلق بالوقود والكهرباء والحديد والإسمنت والمياه، فيما يمكن الاستغناء عن أشياء أخرى، وخصوصاً السلع الغذائية.
في المقابل، تشيرُ عضو نقابة الزراعة والتصنيع الغذائي عائشة حموضة إلى أن حملات المقاطعة تتأثر بالظروف السياسية. وتشدد على تأثير المقاطعة الإيجابي على الاقتصاد الفلسطيني. كذلك تلفت إلى ضرورة أن تواكب هذه الحملات زيادة صناعة المواد الغذائية المحلية، حتى لا يضطر الناس إلى شراء منتجات الاحتلال.
وتتطرق حموضة إلى الحملات المضادة التي ينتهجها الاحتلال، على غرار توظيف عدد من المصانع الإسرائيلية فلسطينيين في ظل تفشي البطالة، علماً أن عقود العمل تتضمن تسويق منتجات الشركة المشغلة، بالإضافة إلى الحسومات على المنتجات الإسرائيلية، ما يجعل المواطن يقبل على شرائها بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وازياد الفقر.
وتُطالب السلطة الفلسطينية باتخاذ الإجراءات لدعم المنتجات الفلسطينية بالتوازي مع حملات المقاطعة حتى تكون فعالة، وذلك من خلال تمكين المزارعين الفلسطينيين الذين تتعرض محاصيلهم للتدمير من قبل المستوطنين. أيضاً، تشير إلى مدى ضآلة حصة الزراعة والمواد الغذائية في موازنة الحكومة، لافتة إلى تخصيص 3 في المائة فقط من موازنة العام 2014 للزراعة والصناعات التحويلية، علماً أن 70 في المائة من هذا المبلغ يذهب للموظفين، وبالتالي لا يتبقى شيء لدعم المزارع.
وتوضح أن ما يحد من فاعلية حملات المقاطعة هو السياسات الاقتصادية الفلسطينية، بالإضافة إلى اختيار المواطنين المقاطعة في فترات الاعتداءات الإسرائيلية بشكل خاص. والدليل على ذلك كثرة حملات المقاطعة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، أو التوقف عن تحويل عائدات الضرائب.
وتؤكد على أهمية اعتبار الأمر من الثوابت الوطنية، لافتة إلى أن حملات المقاطعة لا ينبغي أن تكون موسمية. وتشدد على ضرورة مخاطبة الأطفال وتوعيتهم حول المقاطعة، لما لهم من قدرة على التأثير على أهلهم.