مساء أوّل من أمس، قالت الطفلة السودانية منار بنت جمعة (ست سنوات): "أريد الذهاب إلى أستراليا لأنها بلد جميل. أنا أعرف أنها بلد جميل". فجر أمس، تبدّد حلم الطفلة وأحلام أكثر من 800 سوداني كانوا يعتصمون أمام مقر المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، للمطالبة بتحسين شروط لجوئهم في الأردن، إلى حين ضمان المفوضية توطينهم في بلد ثالث.
مع ساعات الفجر الأولى، طوّقت قوات الدرك الأردنية خيام اللاجئين التي نصبوها أمام مقر المفوضية قبل شهر، واقتادتهم بالقوة إلى الحافلات التي كانت تنتظرهم، والتي أسرعت بهم إلى المطار تمهيداً لإعادتهم قسراً إلى بلادهم، بعدما جردتهم، ومن دون التنسيق مع المفوضية، من صفة لاجئ، مشيرة إليهم بصفتهم رعايا.
وقال الناطق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، بعد صدور قرار ترحيلهم: "السودانيون دخلوا الأردن طلباً للعمل أو العلاج، ولم يعطوا حق اللجوء، ولا تنطبق عليهم صفة لاجئ".
المخيّم العشوائي الذي أقامه اللاجئون السودانيون المتحدرين من إقليم دارفور في غرب السودان، كان بمثابة ردة فعل غاضبة من قبلهم على ما اعتبروه تمييزاً بحقّهم من قبل المفوضية، وتهميشاً متعمداً لقضيتهم الإنسانية، في وقت تبذل المنظمة الدوليّة جهداً لإغاثة غيرهم من اللاجئين على غرار السوريين والعراقيين، وتعمل على إعادة توطينهم في بلد ثالث.
تحت عبارة "الوقوف مع اللاجئين"، التي كُتبت بأكثر من لغة على جدار المفوضيّة المقابل للمخيّم، كان الأطفال الذين شكلوا نحو 60 في المائة من اللاجئين يلهون، فيما كان البالغون يعتقدون أن وجودهم أمام المفوضية سيوفر لهم الحماية، وسيحرك الرأي العام العالمي حيال قضيتهم، الأمر الذي لم يحدث.
مطالبُ اللاجئين قبل ترحيلهم أعرب عنها اللاجئ حماد محمد. يقول: "اعتصمنا من أجل تحسين الخدمات التي تقدمها المفوضية لنا، ومساواتنا مع غيرنا من اللاجئين، وتحريك ملفاتنا لتوطيننا في بلد ثالث". يشير، وقد مضى على وجوده في الأردن أكثر من عامين، وصار في حوزته وثيقة اعتراف من المفوضية تمنحه صفة لاجئ، إلى تجاهل المفوضية الكامل لقضيتهم، كاشفاً في الوقت ذاته عن استحالة بقائهم في الأردن على خلفية العنصرية التي يعانون منها بسبب اللون. وبعد ترحيله، وهو ما زال محتجزاً في المطار، يقول: "هربنا من السودان خوفاً من العنف والقتل، والآن سيعيدوننا إلى الموت من جديد".
اللاجئ جماع زكريا يتحدث بدوره عن التمييز، ويكشف عن تعرضه للاعتداء في وقت سابق بسبب لونه. يقول: "كنتُ أعمل في تنظيف السلالم"، لافتاً إلى أن "بعض الشباب نعتوني بكلمات عنصرية، على غرار يا عبد. وحين اعترضت، ضربني أحدهم بالسكين في يدي". ومنذ ذلك اليوم، لم يعد اللاجئ الذي يحمل درجة البكالوريوس في الهندسة يقوى على العمل، وبقي في منزله حتى طرد لعدم قدرته على دفع بدل الإيجار، لينتقل مع زوجته وابنه إلى المخيم.
أما اللاجئة كلثومة محمد، التي كانت تتقاسم خيمة صغيرة مع عائلتها المكونة من خمسة أطفال وزوج مريض، فتشير إلى عدم اهتمام الجمعيات الخيرية الأهلية باللاجئين السودانيين، من دون أن يقتصر الأمر على مفوضية اللاجئين. تضيف أن "الجمعيات كانت تطردنا، وتعطي المساعدات للاجئين السوريين فقط". وبحسرة، تشكو من تعامل الجمعيات، قائلة: "نحن أيضاً بشر نشعر بالجوع والبرد، ونحتاج إلى المساعدة مثل غيرنا من اللاجئين".
ويوضح الناشط الحقوقي والمتخصّص بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين، رياض صبح، أن ما أقدم عليه الأردن يعد "نقطة سوداء في سجله"، مشيراً إلى خرق مبدأ عدم الرد أو الطرد المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية. يضيف أن "مشكلة اللاجئين السودانيين تعد برهاناً على عدم تقاسم المجتمع الدولي أعباء اللجوء".
قلق على مصيرهم
تقدّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لديها بـ 3146 لاجئاً. وكان ممثل المفوضية في الأردن، محمد حواري، قد أشار قبل ترحيل اللاجئين، إلى أن ألفي لاجئ منهم يصنفون ضمن فئة الأكثر احتياجاً، نافياً أن تكون المفوضية تمارس التمييز بحقهم. وبعد الترحيل، أعربت المفوضية عن قلقها على مصيرهم، على أن تتواصل مع الحكومة الأردنية.
اقرأ أيضاً: إيهاب حصوة يرسم هموم الأطفال