وأثارت الإحصائيات حنق الشارع ويسار الوسط واليمين المتشدد باتفاق الطرفين على وصف وقت انتظار المواطنين لحسم القضايا التي يشتكون بشأنها لشرطتهم بـ"الفضيحة، فالأمر يتعلق بضحايا تعرضوا لأبشع الاعتداءات، وبطبيعة الحال الناس تتجه عادة للشرطة، وليس مقبولا أن ينتظر الإنسان أكثر من مائة يوم لحسم القضية"، بحسب ما ذهب مقرر الشؤون العدلية في حزب الشعب الدنماركي اليميني، بيتر كوفود.
ووفقا لجهاز الشرطة الوطني في كوبنهاغن، فإن فترة انتظار ضحايا الأعمال الجنائية زادت بمعدلات كبيرة في الربع الأخير من العام الحالي مقارنة بـ99 يوما في 2017. ويبرر مدير الشرطة، جون فيتسرغورد، هذا التباطؤ الذي يشكو منه المواطنون بما سماه "أولويات كان لا بد من التعاطي معها". ويعتبر هذا المدير أن "انشغال الجهاز بمهام مراقبة وحراسة الحدود (مع ألمانيا ودول الجوار الاسكندنافية بعد أزمة اللجوء في 2015) ومهام حراسة مواقع من هجمات إرهابية محتملة ما جعل القضايا الجنائية تأخذ أولوية ثانية".
وكانت حكومة الدنمارك اضطرت لطلب مساعدة وزارة الدفاع، بالزجّ ببعض الجنود في مقاعد التعليم المكثف لأدوار الشرطة، للمساعدة في مهام حدودية وحراسة مواقع حساسة.
ورغم تأكيد فيسترغورد على "حق المواطنين منذ لجوئهم إلى الشرطة للحصول على حلول للقضايا موضع الشكوى بشكل سريع" إلا أن هذا التطور السلبي في أداء الشرطة أخر كثيرا وصول القضايا إلى التحاكم، فمقارنة بمتوسط فترة الانتظار في 2015، 73 يوما، تثير الأرقام الجديدة حنقا شعبيا بسبب طبيعة القضايا وأهميتها.
ففي القضايا التي تتعلق بالجرائم المالية تزيد فترة انتظار المواطنين على 171 يوما قبل حسمها، فيما الجرائم الجنسية، اعتداءات بالعنف الجسدي وحالات اغتصاب، تأخذ نحو 159 يوما في المتوسط قبل وصولها إلى المحاكم أو إغلاقها.
والواضح من أرقام الشرطة الدنماركية أن أسرع القضايا التي تجد حلولا، وحتى قبل قضايا العنف والسرقة بالإكراه والقتل، هي تلك المتعلقة بالمخدرات والتهريب، إذ تجد نهايات سريعة بمتوسط 18 يوما، وتأتي قضايا الحوادث المرورية كأسرعها حلا بمتوسط أسبوع واحد فقط.
الانتقادات التي يوجهها المواطنون وبعض الأحزاب لبطء عمل الشرطة ترتبط أساسا بانتظار بعضهم الحصول على أحكام أو حلول تتعلق بعنف واغتصاب وتعويض، إذ تعتبر بعض الأحزاب أن "فترة الانتظار الطويل تعني زيادة الضغوط النفسية على المشتكين".
ويحمل يسار الوسط، الحزب الاجتماعي الديمقراطي المعارض، وزير عدل الدنمارك سورن بابي بولسن مسؤولية "البحث السريع عن حلول بزيادة الموارد البشرية، فما يجري يعتبر فضيحة وانتهاكا صارخا لثقة المواطنين بنا، والوعود بحلول غير منجزة يمنح الجمهور انطباعا خاطئا حين تذهب الأمور باتجاه معاكس تماما"، بحسب مقررة الشؤون العدلية في الحزب، ووزيرة العدل الأسبق ترينا برامسن.
وتذكر وزارة العدل في كوبنهاغن أن شرطتها منهكة بسبب مهام "مراقبة الحدود فتعود إلى مقراتها لتجد الغبار تراكم على بعض القضايا الجنائية، ما يرفع الإحصائيات عدد أيام متابعة القضايا"، وفقا للوزير سورن بولسن.
ومقارنة بسرعة حل القضايا الجنائية في 2012 بمتوسط 56 يوما لمعظمها، تحذر برامسن باسم يسار الوسط من أن تضاعف أيام الانتظار "حيث يجلس مواطنون وقعوا ضحايا الجريمة فإنهم يبدؤون بفقدان ثقتهم بالشرطة، ولأجل تجنب ذلك يجب القيام فورا بخطوات تشعرهم بأن الأمن يرعى القضايا وهذا يتطلب زيادة الكفاءة سريعا بأكثر مما هي عليه اليوم".
واتفق اليمين المتشدد ويسار الوسط، اليوم السبت، حول طرح الحلول التي تركز على "تدعيم مكاتب الشرطة بمتلقي الشكاوى من الموظفين". ويتفق الطرفان على "ضرورة الاستعانة بقدماء رجال الشرطة الذين أحيلوا إلى التقاعد "فهؤلاء لديهم خبرات، ويمكن الاستعانة بهم للتخفيف عن الجهاز". ويذهب الحزبان لدعوة وزير العدل إلى جلسة استماع برلمانية "لرؤية خطة فعالة لتنفيذ فوري وخفض أيام انتظار حسم الشكاوى".
يذكر أن الانتقادات الموجهة لجهاز الشرطة الدنماركي تراكمت خلال العام الحالي 2018 بعد بروز آلاف حالات التعويض عن عنف بحق المواطنين تنتظر لسنوات. ووفقا لمركز "استشارات الضحايا الدنماركي" فإن الانتظار يعتبر "كارثة بحق الضحايا الذين هم بالأساس في موقف ضعيف يزداد قلقا مع طول فترة انتظار الحسم في قضايا العنف والتعويض"، وفقا لما تذكر للتلفزيون الدنماركي عضو مجلس إدارة المركز، يانا راسموسن.
وتقدم راسموسن إحدى القضايا كإشارة لما يعيشه الضحايا مع طول فترة الانتظار "فلدينا سيدة تعرضت لعنف أسري على يد زوجها السابق، لديها الحق بالتعويض بمائة ألف كرونة لتأسيس حياة جديدة، وما تزال السيدة تنتظر منذ عامين ونصف العام الحصول على التعويض للاستمرار بحياتها".
ويقع "مجلس التعويضات" تحت مسؤولية مباشرة لوزارة العدل، ما يعني أن الانتقادات تطاول الوزارة نفسها المسؤولة أيضا عن جهاز الشرطة.