الأزمة المعيشيّة في ليبيا، الناتجة عن الأزمات المستمرة التي تشهدها البلاد، وتراجع قيمة الدينار، كلّها من العوامل التي تهدّد بزوال الطبقة الوسطى في البلاد. ويوماً بعد يوم، ترتفع نسبة الفقر، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من المشاكل الاجتماعية
ما يقارب نحو نصف العائلات الليبية يعيش تحت خط الفقر (نحو 45 %)، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة الوفاق الوطني، التي تعتبر أن الطبقة الوسطى في طريقها للتلاشي نهائياً بسبب أزمات البلاد الاقتصادية. ويقول مدير مركز الدراسات الاجتماعية في الوزارة علي فرحات إنّ أسبابها المباشرة هي استمرار الانقسام السياسي وعدم الاستقرار الأمني، مضيفاً أن هذه النسبة تشير إلى قفزة قياسية في مقابل 29 في المائة في عام 2009، علماً أن عدد سكان ليبيا 6.8 ملايين نسمة.
اقــرأ أيضاً
ويعدّد فرحات الأسباب، ومنها عوامل التهجير والنزوح خلال الأعوام الأخيرة. كثير من الليبيين "يواجهون مشقة كبيرة في الحصول على الاحتياجات الأساسية مثل الرعاية الطبية والخدمات العامة، عدا عن النزوح الذي شهدته البلاد في مناطق مختلفة، علاوة على نقص السيولة وارتفاع الأسعار".
وكان رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا غسان سلامة قد تحدّث عن الطبقة الوسطى التي تعيش حالة إفقار، مشيراً إلى أن البلاد "مهددة بالإفلاس ما لم يتم كسر منظومة الطبقة المستفيدة من الوضع القائم التي تعتمد على نهب موارد البلاد واستهلاك عائدات النفط، التي أصبحت بالكاد تكفي لدفع رواتب موظفي الدولة الليبية". أضاف أن دخل الفرد السنوي في ليبيا قبل الأحداث كان يقدر بـ 11 ألف دولار، إلا أن الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية تبيّن تراجع الدخل السنوي للفرد إلى 6.57 آلاف دولار.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة طرابلس سليمان وحيدة إن هذه الأرقام لا قيمة لها، موضحاً لـ "العربي الجديد" أنه لا يسمح للمواطن إلا بسحب ثلث راتبه.
وتتشكّل هذه الطبقة في ليبيا من الموظفين العاملين في القطاعات العامة، والحرفيين، وصغار التجار، وأصحاب الأنشطة الخدماتية المتوسطة، إضافة إلى المثقفين وأساتذة الجامعات وآخرين. يضيف أن "غالبية شرائح الطبقة الوسطى تلجأ إلى أعمال بديلة لتعويض دخلها المفقود، تحديداً من يتقاضى رواتب من الدولة بسبب نقص السيولة في المصارف". ويبين أن شريحة أصحاب الحرف ما زالت الوحيدة التي تحافظ على مستواها بسبب عدم ارتباطها بالرواتب الحكومية. لكنه يرى أن صغار التجار وأصحاب النشاطات المتوسطة ضحية الانهيار الاقتصادي أكثر، مؤكداً أن نشاطاتهم تأثرت بشكل كبير بسبب تراجع قيمة الدينار الليبي.
وشهد عدد من المناطق الليبية احتجاجات كبيرة بسبب سوء الوضع الاقتصادي، وهو ما تُرجم من خلال طوابير طويلة أمام مقرات المصارف، وإعلان غالبيتها إقفال أبوابها رسيماً في المناطق البعيدة في الأرياف والقرى بسبب الأوضاع الأمنية.
تلك الأسباب أدت إلى حراك مجتمعي في الجنوب الليبي، وكانت النتيجة إقفال حقل الشرارة النفطي، أكبر حقول النفط في الجنوب في أوائل ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ورفع المحتجون شعارات تتساءل عن مصير ريع النفط في ظل أوضاعهم الاقتصادية المستمرة في التردي، ما دفع رئيس الحكومة فايز السراج للدخول في مفاوضات مباشرة مع المحتجين لإقناعهم بإخلاء المكان وتحقيق مطالبهم.
ولم تتوقف التقارير الدولية عن الإعلان عن تزايد معاناة الليبيين بسبب أوضاعهم الاقتصادية. وفي آخر تقارير الأمم المتحدة في يناير/ كانون الثاني الماضي أن أكثر من مليون ليبي بحاجة سريعة إلى المساعدات الإنسانية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت البعثة الأممية في ليبيا، بالتنسيق مع حكومة الوفاق، عن إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية تضمنت وضع رسوم إضافية على مبيعات النقد الأجنبي، وإتاحة الفرصة للحصول عليه بسعر جديد للتجار كخطوة لإنهاء السوق الموازية وتعزيز قيمة الدينار الليبي.
وبحسب البرنامج الذي أعلنت عنه الحكومة، فقد فرضت رسوماً قدرت بـ 200 في المائة على الدولار ليصبح سعره الرسمي 4.25 دنانير ليبية، بالتوازي مع خطط لرفع الدعم الحكومي على أسعار المحروقات، وصرف علاوة للأسرة الليبية ومخصصات للفرد من الدولار سنوياً، تصل إلى 1000 دولار بحسب سعر الصرف الرسمي. لكنّ عدداً من الخبراء الاقتصاديين يشككون في قدرة الإصلاحات الاقتصادية على رفع المستوى المعيشي للفرد، مؤكدين أنّه ستكون لها آثار سلبية على المدى المتوسط والبعيد.
ويقول وحيدة إن مخصصات العائلة السنوية من الدولار تشجيع غير مباشر للسوق الموازية، إذ إن معظم العائلات تحصل على المبلغ المخصص وتبيعه للسوق السوداء للاستفادة من الفارق، مضيفاً أن "رفع الدعم عن المحروقات ستعوضه الحكومة من خلال زيادة الرواتب، من دون أن تتحدث عن كيفية توفير السيولة النقدية في المصارف، أو كيفية حصول المواطن على راتبه وأمواله في المصارف التي ما زال أكثر من نصفها مقفلاً في غالبية المناطق الجنوبية".
يضيف: "أعتقد أن أول مؤشرات فقدان الحكومة الثقة بخططها الاقتصادية الإصلاحية إعلانها الشهر الماضي عن شراكتها مع الأمم المتحدة في إطلاق خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019".
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في فبراير/ شباط الماضي عن إطلاقها بالتنسيق مع الحكومة خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، والتي تستهدف نصف مليون ليبي بكلفة 202 مليون دولار، لتوفير الدعم الصحي والحماية والمياه والصرف الصحي والمأوى والدعم التعليمي.
ما يقارب نحو نصف العائلات الليبية يعيش تحت خط الفقر (نحو 45 %)، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة الوفاق الوطني، التي تعتبر أن الطبقة الوسطى في طريقها للتلاشي نهائياً بسبب أزمات البلاد الاقتصادية. ويقول مدير مركز الدراسات الاجتماعية في الوزارة علي فرحات إنّ أسبابها المباشرة هي استمرار الانقسام السياسي وعدم الاستقرار الأمني، مضيفاً أن هذه النسبة تشير إلى قفزة قياسية في مقابل 29 في المائة في عام 2009، علماً أن عدد سكان ليبيا 6.8 ملايين نسمة.
ويعدّد فرحات الأسباب، ومنها عوامل التهجير والنزوح خلال الأعوام الأخيرة. كثير من الليبيين "يواجهون مشقة كبيرة في الحصول على الاحتياجات الأساسية مثل الرعاية الطبية والخدمات العامة، عدا عن النزوح الذي شهدته البلاد في مناطق مختلفة، علاوة على نقص السيولة وارتفاع الأسعار".
وكان رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا غسان سلامة قد تحدّث عن الطبقة الوسطى التي تعيش حالة إفقار، مشيراً إلى أن البلاد "مهددة بالإفلاس ما لم يتم كسر منظومة الطبقة المستفيدة من الوضع القائم التي تعتمد على نهب موارد البلاد واستهلاك عائدات النفط، التي أصبحت بالكاد تكفي لدفع رواتب موظفي الدولة الليبية". أضاف أن دخل الفرد السنوي في ليبيا قبل الأحداث كان يقدر بـ 11 ألف دولار، إلا أن الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية تبيّن تراجع الدخل السنوي للفرد إلى 6.57 آلاف دولار.
ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة طرابلس سليمان وحيدة إن هذه الأرقام لا قيمة لها، موضحاً لـ "العربي الجديد" أنه لا يسمح للمواطن إلا بسحب ثلث راتبه.
وتتشكّل هذه الطبقة في ليبيا من الموظفين العاملين في القطاعات العامة، والحرفيين، وصغار التجار، وأصحاب الأنشطة الخدماتية المتوسطة، إضافة إلى المثقفين وأساتذة الجامعات وآخرين. يضيف أن "غالبية شرائح الطبقة الوسطى تلجأ إلى أعمال بديلة لتعويض دخلها المفقود، تحديداً من يتقاضى رواتب من الدولة بسبب نقص السيولة في المصارف". ويبين أن شريحة أصحاب الحرف ما زالت الوحيدة التي تحافظ على مستواها بسبب عدم ارتباطها بالرواتب الحكومية. لكنه يرى أن صغار التجار وأصحاب النشاطات المتوسطة ضحية الانهيار الاقتصادي أكثر، مؤكداً أن نشاطاتهم تأثرت بشكل كبير بسبب تراجع قيمة الدينار الليبي.
وشهد عدد من المناطق الليبية احتجاجات كبيرة بسبب سوء الوضع الاقتصادي، وهو ما تُرجم من خلال طوابير طويلة أمام مقرات المصارف، وإعلان غالبيتها إقفال أبوابها رسيماً في المناطق البعيدة في الأرياف والقرى بسبب الأوضاع الأمنية.
تلك الأسباب أدت إلى حراك مجتمعي في الجنوب الليبي، وكانت النتيجة إقفال حقل الشرارة النفطي، أكبر حقول النفط في الجنوب في أوائل ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ورفع المحتجون شعارات تتساءل عن مصير ريع النفط في ظل أوضاعهم الاقتصادية المستمرة في التردي، ما دفع رئيس الحكومة فايز السراج للدخول في مفاوضات مباشرة مع المحتجين لإقناعهم بإخلاء المكان وتحقيق مطالبهم.
ولم تتوقف التقارير الدولية عن الإعلان عن تزايد معاناة الليبيين بسبب أوضاعهم الاقتصادية. وفي آخر تقارير الأمم المتحدة في يناير/ كانون الثاني الماضي أن أكثر من مليون ليبي بحاجة سريعة إلى المساعدات الإنسانية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت البعثة الأممية في ليبيا، بالتنسيق مع حكومة الوفاق، عن إطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية تضمنت وضع رسوم إضافية على مبيعات النقد الأجنبي، وإتاحة الفرصة للحصول عليه بسعر جديد للتجار كخطوة لإنهاء السوق الموازية وتعزيز قيمة الدينار الليبي.
وبحسب البرنامج الذي أعلنت عنه الحكومة، فقد فرضت رسوماً قدرت بـ 200 في المائة على الدولار ليصبح سعره الرسمي 4.25 دنانير ليبية، بالتوازي مع خطط لرفع الدعم الحكومي على أسعار المحروقات، وصرف علاوة للأسرة الليبية ومخصصات للفرد من الدولار سنوياً، تصل إلى 1000 دولار بحسب سعر الصرف الرسمي. لكنّ عدداً من الخبراء الاقتصاديين يشككون في قدرة الإصلاحات الاقتصادية على رفع المستوى المعيشي للفرد، مؤكدين أنّه ستكون لها آثار سلبية على المدى المتوسط والبعيد.
ويقول وحيدة إن مخصصات العائلة السنوية من الدولار تشجيع غير مباشر للسوق الموازية، إذ إن معظم العائلات تحصل على المبلغ المخصص وتبيعه للسوق السوداء للاستفادة من الفارق، مضيفاً أن "رفع الدعم عن المحروقات ستعوضه الحكومة من خلال زيادة الرواتب، من دون أن تتحدث عن كيفية توفير السيولة النقدية في المصارف، أو كيفية حصول المواطن على راتبه وأمواله في المصارف التي ما زال أكثر من نصفها مقفلاً في غالبية المناطق الجنوبية".
يضيف: "أعتقد أن أول مؤشرات فقدان الحكومة الثقة بخططها الاقتصادية الإصلاحية إعلانها الشهر الماضي عن شراكتها مع الأمم المتحدة في إطلاق خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019".
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في فبراير/ شباط الماضي عن إطلاقها بالتنسيق مع الحكومة خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، والتي تستهدف نصف مليون ليبي بكلفة 202 مليون دولار، لتوفير الدعم الصحي والحماية والمياه والصرف الصحي والمأوى والدعم التعليمي.