"مزنوق ومش معاك فلوس".. "عاوز تأكّل أهلك ومش عارف".. "نفسك تتجوّز بنتك ومش عارف إزاي".. "عندك ثروة ممكن تبيع أي كلية ولّا فص كبد"... إعلانات ينشرها سماسرة مصريون، تدغدغ مشاعر فقراء البلاد. هؤلاء السماسرة، سماسرة الأرواح، قد تجدهم في مقهى أو معمل تحاليل (مختبر) أو مستشفى أو عيادة طبيب.
أكثر فأكثر، يدفع العوز بالمصريين إلى بيع كلاهم وفصوص من أكبادهم، لأثرياء مصريين وعرب يعانون من مشاكل صحية في مقابل مبالغ مالية ضئيلة، لا سيّما في الأرياف والقرى. هؤلاء يشكون من أزمات مالية، على خلفيّة تعليم أبنائهم وتجهيز بناتهم للزواج، فيلجأون إلى الاقتراض. وأمام تراكم الديون وثقلها على كاهلهم، ليس أمامهم إلا بيع "قطع" من أجسادهم من دون مبالاة بحياتهم عقب عمليات الاستئصال.
يبيع المعوزون لحمهم لتأمين معيشتهم، وقد غضّوا الطرف عن الآلام التي قد تلحق بهم بعد عمليات الاستئصال، أو حتى الموت الذي قد يكون لهم بالمرصاد في أثناء العملية أو بعدها. ما يدركونه ويشعرون به هو أنّ ألم الفقر أشدّ وأكبر من بيع "أجزاء من أجسادهم". هكذا ينجح "سماسرة الأرواح" في اصطياد عدد كبير من هؤلاء الفقراء، لشراء تلك "الأجزاء" وبيعها لأثرياء مرضى في مستشفيات تخصصت في تلك الجريمة.
تجدر الإشارة إلى أنّ تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهاز حكومي) تفيد بوجود 20.5 مليون فقير مصري من ضمن فئة الفقر المدقع، و35.8 مليوناً يقلّ دخلهم اليومي عن دولارَين أميركيَّين.
تنشط تجارة الأعضاء البشرية في عدد من الأحياء الشعبية في القاهرة، خصوصاً في مناطق شبرا والشرابية والزاوية الحمراء والدرب الأحمر وبعض ضواحي العاصمة، بالإضافة إلى مدينة 6 أكتوبر حيث يعيش عدد كبير من العرب واللاجئين من العراق أو سورية. كذلك نجدها في الإسكندرية وعدد من محافظات الوجه البحري.
يقنع السماسرةُ الشباب اليائسين ببيع كلى أو فصوص من الكبد، على أن يسدّدوا الجزء الأكبر من الثمن مقدّماً قبل العمليّة. أما المبلغ المتبقي فبعد العملية الجراحية. وهم يعرضون المال أمام الشباب الذين يسيل لعابهم عند رؤيته، في محاولة لإقناعهم. يُذكر أنّ الأسعار تتراوح ما بين 25 ألفاً و40 ألف جنيه مصري (2820 - 4500 دولار). إلى المال، يلجأ السماسرة إلى مختلف وسائل الإقناع، بما في ذلك التأكيد على أنّ العملية تخلو من المخاطر. تجدر الإشارة إلى أنّ تقارير طبية تفيد بأنّ 78% من المانحين أجزاء من أجسادهم، يعانون من تدهور في حالتهم الصحية بعد الجراحة، و75% يعانون من ضعف قدراتهم على أداء الوظائف والمهام التي تقتضي جهداً شاقاً. لكنّ تلك التقارير أوضحت عدم توفّر بيانات رسمية حول العدد الحقيقي للذين تُستأصل أعضاء منهم، فيما تشير تقديرات إلى ملايين.
في هذا السياق، يحذّر أستاذ المسالك البولية في جامعة القاهرة، الدكتور عادل حسين، من بيع الكلى أو أي عضو من الجسد لخطورة ذلك على صحة الإنسان المانح، مشيراً إلى أنّ "عمليات بيع الكلى تزايدت في مصر مع انتشار الفشل الكلوي الذي يطاول كلّ المحافظات المصرية". ويرى في حديث مع "العربي الجديد" ضرورة أن تضرب الحكومة بيد من حديد لوضع حدّ لمستشفيات "بير السلّم"، حيث تتمّ عمليات بيع الكلى أو فصوص الكبد، "خصوصاً أنّ تلك المستشفيات تفتقر إلى وسائل الأمان الصحي". ويلفت إلى أنّ "الأمر وصل في مصر إلى حدّ اصطياد الأطفال والمعوّقين عقلياً في الشوارع، لانتزاع كلاهم. بالتالي، نحن أمام ظاهرة خطيرة يجب على الجميع التكاتف من أجل مواجهتها".
ويؤكّد حسين أنّ "بعض الأطباء وجدوا في تجارة الأعضاء البشرية فرصة لتحقيق مكاسب مالية سهلة، في حين أنّ كثيرين من الذين يبيعون أعضاءهم قد يكونون مصابين بأمراض تؤثّر سلبياً على صحتهم أو صحّة المتلقين بعد العملية. على سبيل المثال، داء السكري أو ارتفاع الضغط الدم أو الأمراض المعدية، التي تنتقل إلى المتلقّي، كالتهاب الكبد الوبائي أو الإيدز".
من جهتها، تؤكّد الباحثة في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الدكتورة عزّة كريم، على أنّ "حالة العوز وضيق اليد والفقر المدقع وراء لجوء عدد من الناس إلى بيع أجزاء من أجسادهم. الأسعار إلى ارتفاع في البلاد، وهم غير قادرين على توفير الاحتياجات الأساسية اللازمة. لذا، فإنّ عملية البيع بالنسبة إلى هؤلاء، تسهم في مواجهة ظروفهم الصعبة أو تساعدهم في تسديد ديونهم المتراكمة، وسط غياب رعاية الحكومة لهؤلاء الفقراء والوقوف إلى جانبهم". وإذ تلفت كريم إلى أنّ نساء كثيرات من "الغارمات" ينفّذن أحكاماً بالسجن بسبب عدم قدرتهنّ على تسديد الديون، توضح أنّ "مصر تحتل المركز الثالث عالمياً في تجارة وزرع الأعضاء البشرية غير المشروعَين، مما جعلها تتحوّل إلى المركز الرئيسي في المنطقة لهذه التجارة. يُذكر أنّ هذه التجارة أكثر ربحاً وأماناً من الاتجار بالمخدرات، وفقاً لدراسة أعدّها المركز".