يتحدّث البعض عن ثقافة "الكاوبوي" التي ما زالت حاضرة لدى شرائح عديدة من المجتمع الأميركي. وفي حين يثار موضوع الأسلحة غير الشرعيّة في البلاد، يتبيّن أن الناس يُقتَلون بأسلحة مرخصة.
تفيد إحصائيات رسمية لمكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي)، بأن نحو 13 ألف أميركي قتلوا بأسلحة نارية مختلفة سنوياً بين عامَي 2008 و2012. حتى هذه الأرقام المخيفة، لا تحكي القصة بأكملها، وذلك لأن بعض الولايات الأميركية، مثل فلوريدا وألاباما، لا تكشف عن بياناتها. وتعدّ هذه الأرقام الأعلى بين الدول الصناعية جميعها، بالتالي لا مبالغة عند الحديث عن "وباء السلاح في الولايات المتحدة الأميركية"، وهو التعبير الذي يستخدمه باحثون وناشطون يحاولون الحدّ من آثاره.
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أشار إلى تفاقم هذا "الوباء"، في كلمة ألقاها في جنازة القس كليمنتا بينكني الذي قتل في مجزرة كنيسة تشارلستون في ولاية نورث كارولاينا مع ثمانية مصليين أميركيين من أصول أفريقية في 17 يونيو/ حزيران الماضي. وتحدّث أوباما عن قوانين حيازة السلاح الإشكالية والتي تقاطعت مع العنصرية المتجذّرة ضدّ السود، لتخلّف مزيداً من الضحايا. وقال: "تعامينا لفترة طويلة عن الفوضى التي يوقعها عنف السلاح في أمتنا. نفتح أعيننا في فترات متباعدة، عندما يقتل تسعة من إخوتنا وأخواتنا في قبو كنيسة و12 في قاعة سينما أو 26 في مدرسة ابتدائية. لكنني أرجو أن نبصر أيضاً الحيوات الثلاثين الغالية التي ينهيها عنف السلاح يومياً".
ومن العوائق الأساسية التي تحول دون سنّ قوانين فدرالية من شأنها أن تحدّ من سهولة شراء الأسلحة وحيازاتها، هو لوبي السلاح والمعروف باسم "اتحاد البنادق القومي" (أن آر أيه). هو يساهم في تمويل حملات انتخابية لعدد كبير من النواب في الكونغرس الأميركي. تجدر الإشارة إلى أن أوباما أخفق في سنّ قانون فدرالي من شأنه السيطرة على انتشار السلاح، عبر تقوية نظام التحقق من شخصية المشتري وما إذا كان يعاني اضطراباً عقلياً على سبيل المثال أو من أصحاب السوابق الجنائية. لكن مجلس الشيوخ بأغلبيته الجمهورية، لم يوافق على المبادرة في عام 2013.
اقرأ أيضاً: العلم الكونفدرالي الأميركي أُنزل
في حديث إلى "العربي الجديد" في نيويورك، يقول أندرو باتريك وهو المنسق الإعلامي لـ"اتحاد منظمات وقف عنف السلاح" (سي إس جي في)، إن "تأسيس اتحاد البنادق القومي يعود إلى عام 1871، أي بعد الحرب الأهلية الأميركية. في حينه كان الهدف منه تدريب المواطنين على الرماية واستخدام السلاح بالشكل الصحيح. مع مرور الوقت، أصبح الاتحاد مقترناً أكثر برياضة الرمي والصيد". لكنه يشير إلى أن "الاتحاد انخرط في اللعبة السياسية في منتصف سبعينيات القرن الماضي مستغلاً مخاوف بعض المواطنين للترويج لتوجهاته، وراح يحاول إقناعهم بحاجتهم إلى الأسلحة للحماية الذاتية والدفاع عن أنفسهم".
ويوضح باتريك أن قوة لوبي السلاح وتأثيره على السياسة الأميركية برزا خصوصاً ابتداءً من منتصف التسعينيات. يقول: "في عام 1993 تمكنت الحكومة الفدرالية من تمرير قانون برادي (تيمّناً بمعاون الرئيس رونالد ريغان، جايمس برادي، الذي أصيب بطلق ناري في محاولة اغتيال نفذها شخص مضطرب عقلياً)، الذي يقضي بأن يدقق بائعو الأسلحة الحاصلين على رخص فدرالية بالخلفية الجنائية للشاري، بالإضافة إلى أمور أخرى. لكن في الانتخابات التي تلت ذلك (1994)، خسر عدد كبير من أعضاء الكونغرس، الذين صوّتوا لصالح القانون، مناصبهم".
وأظهرت دراسات وتحقيقات عديدة، من بينها واحدة لمؤسسة "سنلايت" المستقلة، أن جمعيات وصناديق مختلفة مؤيدة للوبي السلاح أو مرتبطة به، تتبرّع بملايين الدولارات لحملات بعض النواب بهدف ضمان تأييدهم لأجندتها.
وما يعزّز لوبي السلاح ويدعمه أيضاً هو ثقافة وتقاليد امتلاك السلاح وارتباطها بأسطورة تأسيس البلاد، خصوصاً لدى المحافظين. كذلك فإن الدستور الأميركي ينص على الحق في حيازة السلاح، يضاف إلى ذلك إعلاء الفرديّة لدى الأميركي الذي يحمي نفسه بنفسه وينظر إلى الحكومة الفدرالية وقوانينها بريبة. وبحسب إحصائيات رسمية، فإن نسبة الأسلحة في البلاد هي 89 قطعة لكل مائة شخص، وهي الأعلى عالمياً. يُذكر أن عدداً كبيراً من هذه الأسلحة هي هجومية فتّاكة يُمنع شراؤها في معظم دول العالم. ويُعدّ حمل السلاح والتدرّب عليه "رياضة عائلية" في بعض المناطق، إذ تسمح قوانين بعض الولايات (أريزونا مثلاً)، بأن يدرّب الأهل أولادهم على الأسلحة. ويرى هؤلاء أن امتلاك السلاح أسلوب حياة وحقّ ضروري من أجل الدفاع عن النفس. وما يزيد من نسبة الإصابات هو أن تلك التدريبات تقام بالذخيرة الحية. ولذلك تبعات كارثية. على سبيل المثال، أصيب أكثر من 13 ألف شخص بين قتيل وجريح، من بينهم 363 طفلاً دون الحادية عشرة، منذ بداية هذا العام، بحسب بيانات منظمة "أرشيف عنف السلاح" المستقلة.
وعن مدى نجاح مساعي المنظمات المختلفة التي تحاول الحدّ من انتشار السلاح، يقول باتريك إن "الأميركيين عموماً متعبون من ذلك. لكن إحدى الصعوبات الأساسية التي تواجهنا هي إيجاد شرائح تلتزم على المدى الطويل بالعمل من أجل تغيير الوضع". لكنه يشير إلى أن "الوضع بدأ يتغيّر، إذ نرى منظمات أكثر تخصص المجهود والمال لمحاربة هذا الوباء. كذلك قامت ولايات عديدة، من ضمنها نيويورك وكولورادو وميريلاند، بسن قوانين تفرض التأكد من خلفية مشتري السلاح وتنظّم هذا القطاع، إلا أننا وللأسف لم نبلغ الكونغرس".
اقرأ أيضاً: عنصريّة بالتيمور واقع جديد في أميركا.. أكثر خطورة