بدأت وزارة التعليم السعودية بتشديد القيود على القبول في الجامعات، خصوصاً النظرية منها، وذلك بهدف إعادة التوازن ما بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم، بعدما تسبّب تباينها في تخريج نحو نصف مليون طالب وطالبة لا يحتاجهم سوق العمل. بالتالي، دخلوا في حسابات البطالة.
في تعميم على مديري الجامعات، شدّدت وزارة التعليم التي بدأت قبل نحو 14 شهراً بالإشراف على كل مجالات التعليم في البلاد، بما فيها التعليم العام، على ضرورة الالتزام بالضوابط الجديدة الخاصة بالقبول في كليات التربية للعام الجامعي المقبل. من شأن ذلك تخفيض أعداد المقبولين بنسبة تصل إلى 50 في المائة في مرحلتَي البكالوريوس أو الدبلوم التربوي. وأوضحت الوزارة أنّها تسعى من خلال ذلك التعميم، إلى تحسين الوضع في الكليات التربوية، حتى لا تقلّ نسبة الدرجة الموزونة (متوسط الدرجات) الثنائية أو الثلاثية للمتقدّمين إلى كلية التربية عن 85 في المائة. أيضاً، من جملة الاشتراطات، إخضاع المتقدّمين إلى مقابلات شخصية واختبارات تحريرية، على أنّ تطبّق هذه حتى على الراغبين في التحويل من كليات أخرى.
في الأعوام السابقة، كانت الجامعات السعودية تعمد إلى قبول الخرّيجين الراغبين في مواصلة الدراسة والالتحاق بالكليات الأدبية والدينية، بأكثرهم. وذلك، حتى وإن كانت معدّلاتهم دون المطلوب اليوم. أمّا التغيير الذي أحدثته الوزارة أخيراً، فمن شأنه أن يحرم خرّيجين كثيرين من دخول هذه الكليات، لاسيما أنّه جاء بعد امتحانات نهاية العام الجامعي ولم يعد بإمكان الطلاب بالتالي رفع معدّلاتهم.
"الفكرة جيّدة ولكنّها لم تُطبق بشكل جيّد"، بحسب ما يقول المتخصص في مجال التعليم العالي، الدكتور عبدالله الشمري. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "التغيير بعد ظهور نتائج امتحانات نهاية العام الجامعي هو ظلم كبير للطلاب، إذ لم يسمح لهم برفع معدلاتهم قبل صدور القرار". ويتابع: "صحيح أنّ ثمّة اكتظاظ كبير في التخصصات الأدبية والدينية، إلا أنّ من الخطأ اتخاذ مثل هذا القرار في وقت متأخر وتطبيقه على الفور. كان من المفترض بدء تطبيقه بعد عامَين، لكنّ الوزارة بحسب ما يبدو تريد دفع الطلاب عنوة في اتجاه التخصصات اليدوية والميكانيكية".
تجدر الإشارة إلى أنّ تطبيق الاشتراطات الجديدة قد لا يكون ممكناً في كل الجامعات، إذ ثمّة جامعات تعاني من نقص كبير في عدد الطلاب، ومنها جامعة أم القرى. يقول المتحدّث الرسمي باسم الجامعة، الدكتور عادل باناعمة، على أنّ "هذه الاشتراطات تهدف بالدرجة الأولى إلى رفع جودة المدخلات للطلاب الراغبين في الالتحاق بالبرنامج التربوي التتابعي". يضيف: "نحاول الموازنة بين قبول أكبر عدد ممكن من الطلاب وبين رفع مستوى المخرجات العلمي. ورغبة في إتاحة أكبر قدر ممكن من المقاعد للطلاب، سعت جامعة أم القرى إلى تقنين القبول ليشمل التخصصات كافة، الأمر الذي يحقق هدف الوزارة وتنويع التخصصات واختيار الأنسب والأكفأ وأصحاب المعدلات المرتفعة".
لا يقتصر الأمر على الجامعات المحلية فحسب، فقبل نحو شهرَين بدأت وزارة التعليم في وضع شروط جديدة لنظام الابتعاث يهدف إلى مراجعة التخصصات التي يُبتعث الطلاب الجامعيون لدراستها وربطها بحاجة الدولة وبالوظائف المتوفّرة في سوق العمل من أجل ترشيد الإنفاق. وهو ما يتفق مع التعديلات الجديدة التي تنظّم عملية ضمّ المبتعثين على حسابهم الخاص لصالح الدولة. ومن تلك الشروط الجديدة لضمّ المبتعثين، أن يكون الطالب المتقدّم بطلب الإلحاق بالبعثة ملتحقاً بجامعة متميّزة ومصنفة من ضمن أفضل خمسين جامعة في التخصّص (الذي اختاره) على مستوى العالم، أو أفضل مائة جامعة على مستوى العالم وفق قوائم تعدها وزارة التعليم لهذا الغرض. أمّا في تخصص الطب والتخصصات الهندسية النوعية والعلمية النوعية التي تحددها وزارة التعليم، يشترط أن يكون الطالب المتقدم ملتحقاً بإحدى الجامعات التي تحدّدها وزارة التعليم.
في هذا السياق، يؤكد الأستاذ الجامعي، الدكتور عبدالعزيز البشير، على أنّ "التعديلات الأخيرة جاءت متوافقة مع تعديلات الابتعاث، والهدف منها ضمان تخرّج طلاب من الممكن الاستفادة منهم بدلاً من أن ينهوا دراستهم والانضمام إلى آخرين يصطفّون في طابور البطالة". ويشرح لـ "العربي الجديد" إنّ "التعديلات تضمّنت أن يكون طلاب الجامعات المحلية أو المبتعثين إلى الخارج، يتابعون دراسة تخصصات تحتاج إليها البلاد". يضيف أنّ "ثمّة اكتفاءً فوق المطلوب من التخصصات النظرية والأدبية، وأنّ الخريجين الجامعيين الذين يعانون من البطالة هم في معظمهم من خرّيجي تلك التخصصات. بالتالي، لا داع لضخّ مزيد من هؤلاء في سوق عمل لا تحتاجهم في الأساس".
تجدر الإشارة إلى أنّ نحو 650 ألف طالب وطالبة يتابعون اليوم دراستهم في السعودية في المرحلة الجامعية وما بعد الجامعية، أكثر من 83 في المائة منهم منتسبون إلى كليات نظرية.