لهذه المبادرة خصوصية كون الثقافة العربية عموماً لم تكن معظم الوقت ثقافة تكرم ناقديها، بقدر ما تحتفي بشعرائها وروائييها، غير أن بكار كان أحد مؤسسي الجامعة التونسية، وله قراءات معمقة ومؤثرة في نقد الرواية العربية.
كان بريد تونس قد قام بمبادرة مماثلة العام الماضي، وأصدر طابعاً يحمل صورة الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد (1955-2016)، وقد كتب عليه "الذكرى الأولى لوفاة شاعر الوطن الصغير أولاد أحمد" إضافة إلى جزء من قصيدة له؛ "نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد، صباحاً مساء، وقبل الصباح وبعد المساء، ويوم الأحد".
كما سبق وأن أصدرت تونس طوابع حملت صور الشاعر أبي القاسم الشابي، والشاعرة زبيدة بشير، والتشكيلي إبراهيم الضحّاك، والمسرحي يوسف الرقيق.
ورغم أن الطوابع اليوم تكاد تقتصر في حركتها على معاملات الدوائر الحكومية، بعد أن أصبحت حركة الرسائل وكروت السفر أقل وأقل بفعل وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني والتطبيقات الفورية، غير أن مجرد تفكير المؤسسة الرسمية في أن هذا الكاتب أو ذلك الشاعر حامل للهوية والثقافة الوطنية هو في حد ذاته أمر إيجابي.
لكن بشكل عام فإن طباعة صور الفنانين والشعراء والروائيين ليست دارجة في البلاد العربية، حيث المؤسسات الرسمية بالعموم ليست متصالحة ومقدرة للكاتب والفنان، كما أن أغلب الطوابع التي تحمل اسم كتّاب وفنانين صدرت في مصر ولبنان.
في مصر مثلاً بدأت طباعة صور الكتاب والشعراء ونجوم الغناء في مرحلة مبكرة، ويعد سيد درويش أول من أصدر له طابع بصورته في مصر من أهل الفن والموسيقى والإبداع عموماً، وكان ذلك بمناسبة مرور 35 عاماً على ذكرى وفاته، حيث صدر الطابع الخاص به عام 1958، ثم من بعده الشيخ سلامة حجازي والذي صدر له طابع عام 1967 بمناسبة مرور نصف قرن على رحيله.
ومن النادر أن يصدر للشخصية الواحدة أكثر من طابع، لكن سيد درويش وأم كلثوم يمثلان استثنائين في هذه الحالة، فبعد صدور الطابع الأول لدرويش، صدر آخر بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده، وأم كلثوم صدر لها أول طابع عام وفاتها 1975، وآخر بمناسبة مرور 25 عاما على رحليها.
من النادر أيضاً أن يصدر طابع لمفكر أو كاتب وهو حي، وهذا الأمر يقتصر على البلاد العربية، ففي أوروبا وكندا وأميركا والهند تصدر الطوابع التي تحمل صوراً ومقولات لكتاب أحياء لهم تأثير كبير في الثقافة التي ينتمون إليها.
في البريد المصري سنجد طوابع تحمل صور: طه حسين، محمود تيمور، إبراهيم المازني، وعلي الجارم، وتوفيق الحكيم، وزكي مبارك، ونجيب محفوظ وآخرين، ومن النساء هدى شعراوي وعائشة عبد الرحمن المعروفة ببنت الشاطئ، علماً أن حضور المرأة المبدعة على طوابع البريد العربية بالعموم نادر جداً إن لم تكن نجمة غناء أو سينما.
بالنسبة إلى لبنان، فيقدم فنانين وكتاب وملكات جمال على طوابعه باعتبار أن الإبداع والطرب والموسيقى وجمال المرأة هي أولى الأفكار التي تخطر لأي كان عند ذكر لبنان. آخر الطوابع كان الذي حمل صورة الفنانة الراحلة صباح والفنان زكي ناصيف العام الماضي، إلى جانب وديع الصافي، ومن الأدب سنرى طابعاً يحمل صورة جبران خليل جبران.
أما في فلسطين، ففي عام 2008 أصدرت وزارة الاتصالات، طابعاً بريدياً يحمل صورة الشاعر محمود درويش، وفي العام الماضي صدر طابع يحمل صورة الشاعرة فدوى طوقان.
وأصدر بريد الجزائر العام الماضي طابعاً بمناسبة مئوية ولادة الروائي الجزائري مولود معمري، كما أصدر سابقاً طوابع تحمل صور الروائيين عبدالحميد بن هدوقة، ومولود فرعون، والمفكر مالك بن نبي.
وفي سورية صدرت طوابع تحمل صور نزار قباني وعمر أبو ريشة وسعد الله ونوس، وفي العراق لبدر شاكر السياب وناظم الغزالي وآخرين.
ومن الطريف أن نجد العديد من الكتب في ثقافات غير عربية توثق وترصد لتاريخ حضور أهل الفن والكتابة على الطابع البريدي، وترى في هذه الممارسة دلالات تدخل في تاريخ الأدب والسياسة، وتقول الكثير عن علاقة الثقافة بالسلطة. في حين أن هذا الأمر لا يكاد يشغل أي باحث في تاريخ الثقافة العربية، مثل كثير من التفاصيل الصغيرة التي تقول الكثير ويجري تجاهلها أو نسيانها.