"مايكل أنجلو الرهيب".. أثر النحّات وجنونه

31 مارس 2018
منحوتة "موسى"/ مايكل أنجلو
+ الخط -

قبل أربعمئة سنة، عاش معلم في تاريخ النحت والرسم والعمارة، وترك خلفه ما غيّر به في ملامح ومسارات هذه الفنون، الباحثة الفرنسية المتخصصة في تاريخ الفن تاتيانا مينيو، عادت، صباح اليوم، إلى حياة وتجربة أحد أكثر الفنانين تأثيراً منذ القرن السادس عشر إلى اليوم، في محاضرة تحت عنوان "مايكل أنجلو الرهيب" التي ألقتها في مكتبة "إم كي2" في باريس.

وقفت مينيو عند تفاصيل دقيقة من منحوتات وجداريات مايكل أنجلو (1475-1564) النحات والرسام الإيطالي التوسكاني الذي كان يضع العقبات لنفسه أثناء العمل الفني، وأحياناً كان يترك عمله دون أن ينجزه رغبة منه في هزم ذاته الفنانة وتحطيم طموحها في العمل، بل إنه دمر غالبية لوحاته ولم يتبق منها إلا بضعة أعمال.

أما جدارياته، فقد عاشت رغماً عن صاحبها على جدران الكنائس لتغيّر في تاريخ الرسم وتضيف معايير جديدة وعبقرية للمنظور والأبعاد والتوازن، من هذه الجداريات قصة سفر التكوين في العهد القديم المرسومة على سقف كنيسة سيستاين، ولوحة يوم القيامة على منبر كنيسة سيستاين في روما.

قبل أن يكمل الثلاثين كان أنجلو (عاش 88 عاماً) قد أنجز أشهر منحوتتين له "العذارء تنتحب" و"داوود"، حيث كانت معظم مواضيعه مستلهمة من القصص الدينية والميثولوجية، وعاش كفنان ترضى عنه الكنيسة التي كان حريصاً عليها راعية لكي لا يجد صعوبة في إخراج أعماله إلى الوجود.

لم يكن الفنان الإيطالي يستطيع أن يبلغ الرضا، فهذا بدا كأن ليس له وجود في العمل الفني، وكان يعارض دافنشي في علاقة الفنان بالطبيعة، ويعتبرها عدواً له، لذلك كانت منحوتاته تبدو قوية في غنى عن الطبيعة التي تحيط بها، كأنها ليست من هذا العالم، وكان يشتغل على الصخرة معتبراً، كما نقل عنه، أن لكل صخرة تمثال مسكون بداخلها، وأن عمله كنحات أن يخرج التمثال الحبيس فيها.

نلمح هذه القدرة بشكل كبير ومؤثر في تمثال "موسى"، حيث تلك الطريقة التي يحول من خلالها كتلة مستعصية من الرخام إلى منحوتة مليئة بالتفاصيل مع الحفاظ على نفس الرؤية في جميع النقاط ومن كل الزوايا، المنحوتة التي وصفت في كتب تاريخ الفن بأنك لن تنظر إلى جزء منها إلا وتجده "مثالياً"، أنجزه شخص لم يكن متردداً وكان يعرف أين يضرب الحجر بدقة متناهية.

ورغم أنه معروف بـ"التشطيب" المتقن والبارع لمنحوتاته، لكنه كان أحياناً يترك متعمداً أجزاء من العمل الفني نفسه دون أن يقوم بتلميعها، تاركاً المنحوتة نفسها بين حالتين من الكمال والنقص.

دلالات