رغم تبريرات الرئيس الأميركي بأن هذه "الخطوة المتأخرة جداً ستدفع عملية السلام في الشرق الأوسط والعمل باتجاه التوصل إلى اتفاق دائم"، إلا أنها مجرّد تغطية على إعلان حرب لن تتوقّف تداعياتها السياسية في المنطقة العربية والعالم، بل نحن أمام تغيّرات ستكون الثقافة واستعاراتها فضاءها الأوسع والأكثر سجالاً.
قرار ترامب لا يمكن النظر إليه بمعزل عن صراعه مع المؤسسة (The Establishment)، لذا فإن تأثير ذلك سيكون أقوى في الداخل الأميركي حيث سنشهد صعوداً للشعبوية من خلال توظيف تياراتها لما يقع من تفجيرات واعتداءات بهدف تعظيم خطر الأعداء الذين يتربصون بالولايات المتحدة شرقاً وغرباً، بوصفهم أساس خراب العالم، لا بسبب توحّش الرأسمالية وأذرعها الاستعمارية وفي مقدّمتها "إسرائيل".
سنشهد تصدّعات أكبر في المؤسسة الأميركية خلال الفترة المقبلة، حيث يسعى قسم منها إلى التغطية على سياسات ترامب تجاه الصراع العربي الإسرائيلي مقابل معارضة القسم الآخر لها، وربما يبدو هنا الحضور الأكبر في مواجهة هذا العدوان الغاشم هو للمثقف المقيم في الجغرافيا الأميركية والغربية عموماً، مع فشل المحاولات الرسمية الدائمة لتكميم أفواه الكتّاب والفنانين الذي يواصلون تفكيك الرواية السائدة المتعاطفة مع دولة الاحتلال.
في الواقع لا علاقة للنصر أو الهزيمة بمحاولة استيعاب وتأمّل التجارب القاسية، وربما فعلاً فإن الأمم والمجموعات المهزومة هي أحوج من غيرها إلى ذلك، وهناك أدلة كبيرة على ذلك، حيث قدّمت روسيا المنهارة أواخر القرن التاسع عشر أهم كتّابها، وينطبق الحال على اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، إذ أن الانهيار نفسه ليس معضلة، إنما مكمن الخلل في الإرادة الجمعية إن كانت تعبّر عن استسلام داخلي مطلق أم أنها تقاوم كارثة واجهتها رغماً عنها.
ترامب أعلن الحرب، والمفارقة أن من ستقع عليه هذه الحرب لم يردّ بعد، فكلّ ما جاء على لسان وزارات الخارجية العربية لا يمثّل أحداً كحال أنظمتها، والكل بانتظار تلك الانعطافة التي سيكون ما بعدها مختلفاً كلياً عما قبلها؛ لحظة الإرادة.