لا يزال المفكّر الفلسطيني، أردني الجنسية، جوزيف مسعد يؤكّد على إمبريالية الغرب في تحليلاته التي تدرس علاقته بالإنسان العربي، مؤكّداً على نظرية الكولونيالية التى لا زالت تعمل بمنهجية واضحة، يمارس من خلالها الغرب تأثيراته على البنية الاجتماعية والثقافية والسياسية للعالم العربي.
فى هذا السياق، أشار مسعد خلال محاضرة له أمس الاثنين في "مركز دال للدراسات والأبحاث" في القاهرة، إلى أن "الغرب استطاع أن يجعل العربي يرى نفسه وبيئته العربية المحيطة به بنظرة استشراقية، تتطابق مع نظرة المستشرق الأوروبي عن العرب".
يُعطي مثلاً على ذلك بنظرة القاهريين من أصول صعيدية إلى بيئاتهم الأصلية حيث لا يرون فيها سوى جوانب الاضطهاد والتخلّف. يشير إلى أن "ذلك واضح في الأدب، خاصة النسوي منه وفي الفن التصويري، حتى كأنك تحس بأن الصعيد لم يعد فيه نساء لكثرة ما كُتب عن قتل النساء وجرائم الشرف".
أوضح صاحب كتاب "اشتهاء العرب" أن "الثقافة الكولونيالية تمكّنت من الطبقة البرجوازية المثقّفة في العالم العربي، حتى أصبحت الأخيرة تأخذ نفس مسافة البعد نفسها التي يأخذها الغربيون من الواقع العربي، وكأنهم طبّقوا على شعوبهم عملية التصوّر الاستشراقي نفسها، حتى أصبحوا أغراباً فعلياً، ظنّاً منهم أنهم يمتلكون الخبرة المدنية. لكنهم في الحقيقة باتوا كعنصريّين جدد، ينظرون إلى شعوبهم من مستوى فوقي قائم على الطبقية"، مؤكدًا أن "العنصرية في العالم العربي لا زالت قائمة، وكانت في الأصل ذات طابع عرقي، ولكنها الآن اتّخذت شكلًا آخر من أشكال الطبقية".
في سياق آخر، اعتبر مسعد في محاضرته أن "الثورة الجنسية هي نتاج سوسيولوجي بحت حدث في أوروربا بعد الحرب العالمية الثانية، مع ارتفاع مدخول الرجل الأبيض واستخدام المرأة في سوق العمل. لكن الغرب يحاول فرض هذا الوضع على بقية العالم بالادعاء بأنها مبادئ عالمية، أي إنه يحاول أن يُصّدر هذا المحلي على أنه أنماط وقواعد عالمية، معمّماً الحلول الخاصة به، ومن يختلف على هذه المبادئ فهو محلي متخلّف، من وجهة نظره".
تطرّق مسعد أيضاً إلى مسألة تحرّر المرأة، واعتبر منهجية هذه القضية ذات طابع إمبريالي، وقال: "منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، بدأت الولايات المتحدة وأوروبا بفرض أجندتها الفردية القائمة على أسس رأسمالية، حيث اعتبرت مسألة تحرّر المرأة شأناً فردياً وليس جماعياً، وهو ما شكّل فشلاً ذريعاً، إذ لم تقلّ مثلاً على إثر ذلك حالات تعنيف المرأة".
من هذا المنطلق، حلل مسعد وضع المجتمع المدني في العالم العربي؛ حيث اعتبر أن منظّمات المجتمع المدني العربية لم تكن نتاج مجتمعها، بل إنها صُدّرت إلى العرب بأجنداتها الجاهزة.
في الجزء السياسي من محاضرته، اعتبر مسعد أن الليبرالية ليست حكراً على العلمانيين، مستشهداً بأن بعض الحركات الإسلامية هي ليبرالية أيضاً في ما يخص مفهوم الحكم. كما اعتبر أن الليبراليين عموماً يفتقدون إلى التسامح، مستدلاً بالهجوم على كتابه "اشتهاء العرب"، في حين لم يواجهه الإسلاميون بردّ فعل مشابه.
أكد مسعد بأن هذا الحديث لا يعني بأنه ينحاز للإسلاميين، بل إنه كثيراً ما ينقدهم، مشيراً إلى رأيه بخصوص "الجهاديين" الذين يعتبر أنهم "تواطؤوا مع الإمبريالية".
عن الاتهامات التى قد تلحق به، كون منهجه التحليلي يقوم على الهدم دون تقديم بديل نظري، أجاب: "من الصعب أن يتم تقديم بدائل نظرية جاهزة، أو استعراض خطط مستقبلية، لكن أظن أن الحلول تنبثق من المجتمع ذاته من خلال عمليات تفاوضية تعي أن الذات الغربية ليست تركيباً جوهرانياً، وإن بقينا نتبع سوى الغرب، فلن نجد عنده سوى العدمية والاستشراق الغربي".