تظلّ بيروت إحدى أكثر المدن العربية التي استحوذت على اهتمام المخطّطين الحضريين والمعماريين في العصر الحديث، نتيجة للتغيرّات الكبرى التي شهدتها وأثّرت على شكل معمارها، وعلاقات الناس ببعضهم وطبيعة التحرّك والانتقال فيها، وما طرأ على وسطها التجاري وغيرها من المناطق من تشوّهات.
"فكّر إسكان: نحو تطوير نموذج المدينة الدامجة" عنوان المؤتمر والمعرض الذي يُفتتح عند الرابعة والنصف من عضر اليوم الأربعاء في العاصمة اللبنانية، بتنظيم من "استوديو أشغال عامّة" و"نقابة المهندسين"، و"برنامج الأمم المتّحدة للمستوطنات البشرية".
تنظّم التظاهرة على ضوء نتائج مسابقة "فكّر إسكان: تصورات بديلة للسكن في بيروت" التي أُطلقت كمبادرة للبحث عن حلول بديلة ودامجة لمشكلة السكن، وتمّ إختيار خمس حالات في خمسة أحياء تعكس النسيج الاجتماعي والعمراني المتميز في المدينة وتجسد مختلف التحديات التي تواجه جميع السكان ذوي الدخل المحدود والمتوسط في ظل الأطر القانونية والتطويرية الحالية.
يشير بيان المنظّمين إلى أن "المشهد السكني في بيروت يتميّز بانتشار عملية تنميط رأسمالي للحيّز المديني، حيث تتحول المساكن طويلة الأمد إلى إقامة مؤقتة وأماكن ترفيه، وذلك بالتوازي مع موجات من الإخلاء على مستوى المدينة والهدم وازدياد الشغور في المباني القديمة والمنشآت الجديدة؛ ازدياد ظروف السكن غير الرسمي التي تدار خارج العقود القانونية وغالباً ما تقدم ظروف معيشية غير ملائمة".
هذه التصوّرات ربما تتطلّب ما هو أكثر من مسابقة وتنظيرات معمارية على أهميتهما، إذ تحتاج إلى قرار سياسي مثل إقرار برنامج الإيجار العادل، وفرض الضرائب لتمويل عمليّات تنظيم السوق العقارية، وتوفير السكن الميسّر لأصحاب ذوي الدخل المنخفض والمتوسّط، وخلق مدينة أكثر انسجاماً. فيما يمكن المباشرة بتنفيذ تصوّرات أخرى استناداً إلى القوانين المرعية كقانون التعاونيات السكنية.
البيان لا يغفل هذه المعطيات، حيث يلفت إلى "تفاقم الوضع عندما تم إقرار قانون جديد في عام 2014 لإلغاء 74 سنة من ضبط الإيجارات، في ظل غياب أي سياسة في إدارة الأراضي وقطاع السكن، ممّا أدّى إلى عدد كبير من عمليات الإخلاء في جميع أنحاء المدينة".
يثير المؤتمر مسألتين مترابطتين: ما يمكن تغييره على مستوى السياسات لمواجهة إزاحة السكّان من الأحياء التي يستمدون منها سبل العيش؟ وما هي سبل تحدّي نموذج التطوير العقاري الذي يتجاهل الحاجات المتنوّعة للسكن في المدينة؟
تنطلق الجلسة الأولى بعنوان "أي برامج لأي حاجات سكنية؟" وتضم ورقة بعنوان "أدوات التنظيم المتاحة وسياقها القانوني" لديزيريه فغالي، و"صناعة الهشاشة في ملف الإيجارات" لميريام مهنا، و"ماذا بعد التصوّرات البديلة؟" لروني لحّود.
أما الجلسة الثانية "عرض لنتائج مسابقة فكّر إسكان واستخلاصات"، فتناقش عناوين مختلفة منها: "بيئة إسكانية حافظة"، و"طريق الجديدة: طریقة جدیدة للسكن في طریق الجدیدة"، و"الباشورة: تحفیز السكن المیسر"، و"راس بيروت: السحابة المجتمعية، وتليها طاولة مستديرة مفتوحة لمناقشة الخطوات اللاحقة لمتابعة ملف السكن.