ليست مبالغة القول إنه لم يجر الحفاظ على معالم بغداد التراثية على اختلاف الحكومات المتعاقبة، رغم أنها من المدن العربية القليلة التي تمّ تحديثها عدّة مرات في القرن العشرين وفق مخططات هندسية كان من المفترض أن تحافظ على هويتها المعمارية، إضافة إلى أن قانون الآثار الذي وضع في الثلاثينيات كان ينص على حماية الأبنية القديمة، لكن لم يجر الالتزام به غالباً.
فقدت العاصمة العراقية بيوت العديد من كبار مبدعيها؛ حيث هُدم منزل الفنان جواد سليم رغم الدعوات المتواصلة لتحويله إلى متحف، الأمر ذاته كان مصير بيت الفنانة سليمة مراد، كما تعرّض منزلا المؤرّخ محمد بهجت الأثري وعالم الاجتماع علي الوردي إلى إهمال كبير.
ترجّح التقديرات أنه لم يسلم أكثر من 600 بيت تراثي بغدادي (من أصل آلاف) من التخريب، كان آخرها إزالة منزل الشاعر جميل صدقي الزهاوي منذ عامين، ولم تفِ السلطات العراقية بوعودها المتكرّرة بتنفيذ مشروع لإعادة تأهيل المعالم التراثية أُعلن عنه عام 2013، كما أن ترميمها لعدد المباني لم ينفّذ على أسس مهنية مثل "السراي الحكومي" الذي يعود تاريخ تشييده إلى العصر العثماني.
بيت الشاعر محمد مهدي الجواهري (1889 - 1997) الذي يحمل رقم 27/3 ويقع في حي الصحافيين في منطقة القادسية (جنوبي غرب بغداد) لم يكن استثناء، حيث تواصلت مناشدات عائلته وناشطين مدنيين عراقيين وعرب خلال العقد الماضي لإنقاذه حتى نجحت جهودهم في دفع الحكومة العراقية إلى شرائه عام 2013 لتحويله إلى متحف.
بعد سبع سنوات، أصدرت أمانة بغداد (البلدية) بياناً منذ أيام أعلنت فيه عن بدء العمل في المشروع، حيث "ستقوم كوادرها الفنية بصيانة وترميم المبنى لتحويله إلى متحف ومركز ثقافي يحمل اسم "بيت الجواهري" بالتنسيق مع عائلة الشاعر".
وأشار البيان إلى أنه "ستعرض في المتحف مقتنيات وكتب ودواوين الجواهري وصوره وأوراقه وبعض الأعمال النحتية الخاصة به، وسيكون مفتوحاً للجمهور وللوفود لزيارته والتعرّف على لمحات من سيرته وآثاره".
لكن الأمانة لم تكشف عن أي مخططات أو موعد محدّد لإطلاق عمليات ترميم البيت أو موعد لإنهائها، بل إن تصريحاتها الأخيرة لا تعدو أكثر من إعادة لما تعهّدت به عام 2011.
يُذكر أن بيت الجواهري شُيّد عام 1971 على مساحة إجمالية تبلغ 540 متراً مربعاً، على أرض وزّعتها الدولة آنذاك على الصحافيين والكتاب، وقد حصل عليه الجواهري بصفته رئيساً لـ"اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين" وبناه على نفقته الخاصة، ويضم ثلاث غرف نوم وغرفة استقبال وأخرى للجلوس، وقد شهِد ملتقياته وجلساته الأدبية، حتى غادره عام 1980.