في صالة عرض صغيرة، وضعت المصورة الإيرانية، مريم مزروعي، صوراً التقطتها في العراق، الذي زارته قبل عام من الآن بدوافع شخصية. شعرت حينها أنها تريد التعرف على معاناة نازحي الموصل، ممن فرّوا من تنظيم داعش آنذاك كما تقول. ذهبت وهي تضع فكرة محددة في رأسها، وعادت بعنوان جديد للصور التي قررت عرضها بالأبيض والأسود، لنقل ملامح أصحابها بالتفصيل.
زارت مناطق من العراق خلال سفرتين، في الأولى التقطت صوراً لنازحي عين العرب/ كوباني من الأكراد والأيزديين، فيما خصّصت الثانية للإقامة في "مخيم الدباغة"، والتقاط صور النازحين العرب من الموصل. ضمّت مجموعتها هذه صور بورتريه كثيرة من المكانين، كان أبرزها تلك التي خصصت لها مساحة كبيرة في معرضها، وصاحبتها فتاة في الرابعة من عمرها تقريباً، بنظرة عابسة معبّرة رأت مريم فيها تلخيصاً لما جرى في الموصل.
بعد أيام من المراقبة خلال وجودها في "مخيم الدباغة"، لاحظت مريم أن في المخيم ممرّاً أو ممشى يعبره النازحون واللاجئون يومياً ذهاباً وإياباً ومراراً. انتبهت أنهم يبدؤون هذا المشوار منذ ساعات الصباح الباكر. كثرٌ يلتقون في الممرّ الذي يصل بين أطراف المخيم الصغير. تضيف مريم أن الحركة هناك كانت ناتجة عن تحرّك غير إرادي لأقدامهم، كلها تدل على حالة من التوجّس والقلق المنعكسة في مشية النازحين، فكان "ممر اللاقرار" عنواناً لمعرضها، اللاقرار الملخَّص في حالة نزوح إجبارية لم يعرف أصحابها ساعتها مصيرهم ولا ما يجب فعله إزاءها.
مريم مزروعي صحافية، عملت في أقسام السياسية في مواقع وصحف إيرانية عديدة، ما دفعها لتصبح منخرطة في أجواء منطقة تسودها الحروب منذ سنوات. قبل أربعة أعوام، قررت العمل على ملحق ثقافي لصحيفة "شرق" التي كانت تعمل بها، فزارت أفغانستان، لتكون خطوتها الأولى نحو الخارج، ومحطتها التي قررت فيها التركيز أكثر على التقاط الصور الفوتوغرافية، فالصورة تنقل البعد الإنساني بشكل أصدق مما تفعله أقلام الصحافيين.
ترى مريم أن السياسة لعبت دوراً في تفريق وإبعاد شعوب المنطقة عن بعضها بعضاً، لذا قررت أن تحترف التصوير الفوتوغرافي، وتقول إن الثقافة والفن يلعبان دوراً أسمى بكثير، دورٌ يجعل الشعوب متقاربة ومدركة لمعاناة بعضها بعضاً.
في معرضها الأول، رفعت شعار ضرورة تعرّف الشعوب على بعضها، تقول لـ"العربي الجديد": لو كان سكان دول المنطقة يعلمون تماماً كم يتقاطعون حضارياً وثقافياً، لما استطاع الساسة أن يفرقوهم، ولأدرك الكل حجم المعاناة التي تخلقها الحرب. ترى مريم أن الصورة الفوتوغرافية ترفع من مستوى الحس الإنساني وتبعد الضغائن، وهو أمر على الصحافيين والمصوّرين والفنانين الإيرانيين إدراكه أكثر، فما زالوا بعيدين كثيراً عن تحقيق هذا الهدف، حسب قولها.
وعن تجربة الموصل، تقول لـ"العربي الجديد" إن النازحين كانوا يخافون الغرباء والكاميرات. لم تستطع أن تلتقط صورها بسهولة، فالكبار منهم كانوا يبتعدون عن العدسات، اعتقاداً منهم أن المصورين يأتون للعمل ويغادرون بعده، ولا يقدمون لهم أي حل واقعي.
حاولت التقرب من سكان "مخيم الدباغة" يوماً بعد يوم، حتى استطاعت أن تقترب من بعضهم ولو نسبياً، لكن الأطفال كانوا مختلفين، وهو ما يظهر جلياً في معظم صور معرضها. تقول إن مشاعرها كانت متخبّطة، وكانت تشعر بالعجز، فرغم أن هدفها كان إنسانياً، لكنها شعرت بالحزن على واقع دول المنطقة التي تستحق حياة أفضل.
وعن الأصداء التي حقّقها معرضها، تعتبر مريم مزروعي أنها كانت جيدة وإيجابية، فكثير من الفنانين والمصورين الإيرانيين أتوا لمشاهدته، رغم أن عدداً منهم ما زال بعيداً عن واقع عدم ربط السياسة بالإنسانية والفن، قائلة إنها حققت هدفها، إذ استطاعت الصور تقديم البعد الحقيقي لما يحدث دون أي ضغائن.
حاولت مريم الذهاب إلى سورية، ووصلت إلى حدود هذا البلد مع تركيا، لكنها لم تستطع الدخول، وتحضّر اليوم لحمل مجموعتها الفوتوغرافية هذه لعرضها خارج إيران، ولربما في بلدان عربية، كما تخطط لتنظيم معرض يضم صوراً التقطتها في أفغانستان سابقاً.