"تماثيل عين غزال: شعاع من رحم التاریخ" عنوان معرضه الجديد الذي افتتح مساء السبت الماضي في "المتحف الوطني الأردني للفنون الجمیلة" في عمّان، ويتواصل حتى الثالث والعشرين من الشهر الجاري.
المنحوتات الأثرية التي وُجدت في قرية عين غزال (عشرة كيلو مترات شرقي العاصمة الأردنية)، تشير إلى وجود استقرار بشري قبل ما يقارب عشرة آلاف عام في المنطقة.
يقرأ الفنان هذه الأوابد من منظور جمالي مجرد إذ لم يتمكّن الباحثون من إيجاد وظيفة اجتماعية ودينية ترتبط بها، وبذلك يستعيدها الفنان في القرن الحادي والعشرين بمنأى عن أي دلالة ورمزية مسبقة.
في هذا السياق، يذهب مفاضلة إلى التجريب في التقنيات التي يستخدمها، حيث يطلي أجزاء من ألواح الحديد التي تشكّل العنصر الأساسي في أعماله بمزيج الرمل والغراء ومواد أخرى مانحاً إياها إحساساً بالقِدم بعدما اختبر مقاومتها ومدى استدامتها، كأنها معادل للمادة الجصية التي استخدمها سكّان عين غزال في كسوة هياكل تماثيلهم المكونة من القصب والقش، من خلال طهي الحجارة الكلسية وتحويلها إلى مواد لينة وطيعة التشكّل عند خلطها مع الماء.
اختيار معدن الحديد كوسيط نحتي يعود إلى إمكانية ديمومته، كما تم إعادة تدوير مواد أخرى بحسب ملاءمتها لرؤية المعرض، فنجد المُنخل الذي فرّغت ثقوبه كإطار لمنحوتتيْن ما يحيل إلى المجتمع الزراعي في قرية عين غزال، حيث اكتشفت المناجل والفؤوس والمجارف استخدمت منذ عشرة آلاف عام، وثبّتت التماثيل فوق قواعد خشبية من بقايا أثاث.
لم يبتعد الفنان كثيراً عن التكوين الأساسي للتماثيل الأصلية والتي تتكوّن من رأس أو رأسين منفصلين في جسد واحد، لكنه أضاف إليهما نُصبيْن يحتوي الأول على رأسيين متجاورين متلاصقين والثاني على رأسيين متعامدين فوق بعضهما، في إشارة توحي إلى القرب بينهما بوصفهما زوجين في محاولة لأنسنتهما، خلافاً للتماثيل الأولى التي لم تبد عليها سمات ذكورية أو أنثوية مطلقاً.
یتكوّن المعرض الذي جاء ضمن مشروع التفرغ الإبداعي من قِبل وزارة الثقافة لعام 2018، من اثني عشر عملاً نحتياً منفّذة من صفائح حدیدیة وقضبان معدنیة ومواد مختلفة، وتتراوح ارتفاعاتها بين متر ونصف ومترين ونصف، إضافة إلى عمل إنشائي یستلھم الموضوع نفسه بمساحة ستّة أمتار.
يُذكر أن غسان مفاضلة فنان وناقد تشكيلي وصحفي، ومن أبرز أعماله مشروع "الإنسان والمكان" الذي أقام من خلاله نصباً إنشائية عند مداخل عدد من المدن الأردنية، وجدارية الدوار الثالث في عمّان، وأصدر كتاباً بعنوان "خزائن المرئي: مشهد نقدي في التشكيل العربي المعاصر"، كما وضع الرؤية النقدية لمجلد "سبعون عاماً من الفن التشكيلي الأردني" في العام 2013.