تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب حول مشاغلهم. هنا وقفة مع أحد أبرز مترجمي الأدب العربي المعاصر إلى الإيطالية اليوم، الذي نقل أعمالاً في الاتجاهين بينها وبين العربية.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- بدأت بالاهتمام بالترجمة بُعيد حرب عام 1967 وتصاعُد ما سُمي آنذاك بالثورة الفلسطينية، إذ شاركت بإنشاء نشرة شهرية باللغة الإيطالية عن المسألة الفلسطينية سرعان ما تحوّلت إلى مجلة سميناها "الثورة الفلسطينية"، وقد استمرت بالصدور حتى عام 1971 وكنت أعنى بترجمة ما يصدر عن المنظمات الفدائية الفلسطينية وتلخيصه لإعطاء القارئ الإيطالي فكرة عن النقاش الدائر في الأوساط الفلسطينية. وفي هذا الإطار بدأ اهتمامي بالترجمة الأدبية أيضاً حيث كانت المجلة تخصّص حيّزاً لا بأس به للأعمال الأدبية الفلسطينية.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- آخر ما نشرته قصيدة محمود درويش "خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض"، وقد صدرت مع كتاب حول الاستعمار الاستيطاني. أقوم حالياً بترجمة خمرية ابن الفارض الشهيرة.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- لا أعرف ما هي الصعوبات التي يواجهها المترجم إلى اللغة العربية، إذ إنني أعيش في إيطاليا منذ أكثر من 52 سنة ولست مترجماً متخصصاً، بالإضافة إلى أنني أترجم إلى اللغة الإيطالية وقد ترجمت أحياناً إلى اللغة العربية ولكنها ترجمات قليلة.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- أفضّل دائماً وجود محرّر ينبهني إلى السهوات اللغوية التي يصعب تحاشي الوقوع بها عند الترجمة.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- الناشر هو في الواقع من يختار ما يُترجم فإن لم يوافق على اقتراحك عليك باستشارة ناشر آخر أو القيام بنشر ما تريده بنفسك، وهذا ما أقنعني بإنشاء دار نشر صغيرة عام 1999 وقد أصدرت حتى اليوم 46 كتاباً.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- بالتأكيد. لا يمكن أن أترجم ما يناقض معتقداتي السياسية أو ما أرى أنه يناقض المصلحة العامة، كما آخذ بعين الاعتبار توجهات الكاتب السياسية.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- في أغلب الأحيان تتكوّن علاقة صداقة مع الكاتب المعاصر إن ترجمت له، أما إن كان كاتباً قديماً فعلاقتي به علاقة المحب بالمحبوب، فالمحبة شرط أساسي من شروط الترجمة الجيدة.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- من الصعب تحديد هذا النوع من العلاقة، فلغة الثقافة ليست بالضرورة هي اللغة الأم، فأنا أكتب بلغتي الثقافية وأترجم إليها من لغتي الأم عادةً ومنها نحو لغتي الأم فيما ندر.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- الجوائز الأدبية بشكل عام تحفّز الإبداع الأدبي وآمل أن تزداد.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- أظن أنها مفيدة جداً فمن دون دعم المؤسسات تبقى الترجمة عاجزة عن الإيفاء بالمتطلبات الثقافية للقارئ العربي ومن المعتاد أن تقوم المؤسسة بترجمة ما يروق للقائمين عليها، ولكن يجب على المترجمين أيضاً القيام بدورهم بعرض اقتراحاتهم على المؤسسة.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معيّنة في الترجمة؟
- أحاول قدر المستطاع إيصال المحتوى الفكري للنص واهتمامي بالمفردة يأتي من هذا المنطلق.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لا، لم أندم قط على ما ترجمته.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
- الترجمة إلى اللغة العربية لها تقاليد عريقة تعود إلى العصر الإسلامي الأول وشهدت تطوّراً كبيراً إبان العهد العباسي، ويكفي هنا ذكر شيخ المترجمين حنين بن إسحق، ولولا الترجمة إلى العربية ما وُجدت الفلسفة الحديثة ولا العلوم الحديثة. وقد استمرت الترجمة حتى في العصر العثماني الذي يصفه كثيرون بعصر الانحطاط، وارتفعت الترجمة الأدبية في عصر النهضة إلى قمم جمالية عالية وأتمنى على المترجمين أن يدرسوا تاريخ الترجمة العربية ليحاكوها ويتفوّقوا عليها. كما آمل أن تعود الترجمة العلمية إلى ما كانت عليه في العصر العباسي وفي عصر النهضة.
بطاقة
وسيم دهمش (دمشق، 1948) مترجم وباحث فلسطيني من مدينة اللّد المحتلة عام 1948 ومقيم في روما منذ الستينيات. ترجم عشرات الأعمال الأدبية العربية، إلى الإيطالية مثل "البئر الأولى" لجبرا إبراهيم جبرا و"أرض البرتقال الحزين" لغسان كنفاني، كما ترجم أعمالاً إيطالية إلى العربية، من بينها رواية "موظف عادي جداً" لـ فنتشنزو تشرامي. من مؤلفاته البحثية: "الحضور العربي الإسلامي في المطبوعات الإيطالية" (2000).