عند التفكير في مصطلح المواطنة، يتّضح أنه مرتبط في جوهره، وعلى نحو بديهي، بالحقوق المتساوية بين الجميع. لكن العدسة حين تقترب تكشف عن عدم المساواة بين الرجل والمرأة في الوصول إلى جوانب مختلفة من المواطنة، كما تكشف ارتباطها بالعرق واللون وبلد المولد. ويبدو الأمر مع هذا التصوُّر كما لو أنَّ المواطنة لم تخضع إلى قوانين مدنية تنظّمها وتجعل لها هيكلاً قانونياً وتشريعياً، ولكنها ارتبطت بموروثات تاريخية أكثر تعقيداً.
في الآونة الأخيرة، ونتيجة لصعود الشعبوية والشعور العتيد والأصولي بأهمية التمترس في قوميات وهويات متعلّقة بالجغرافيا على وجه الخصوص، صعد أيضاً مفهوم المواطنة وأصبح رئيسياً في السياسة والفكر الأكاديمي والحركات الاجتماعية. وتواجه معظم المجتمعات الغربية أسئلة جديدة تتعلّق بالعلاقة بين المواطنين والدولة، وأنواع المجتمع الذي ترتبط به المواطنة والمشاركة السياسية وشرعية السياسة الاجتماعية وتغيير مفاهيم حقوق المواطنين وواجباتهم.
ولكن ما هي الآثار المادية للمواطنة أو غيابها؟ هل هي في الهوية الشخصية أو جواز السفر المؤقّت، هل تحدّدها شهادة الولادة أم بطاقة مفوّضية؟ هذه بعض الأسئلة التي تبحث فيها ورشة عمل تنطلق اليوم في "دارة الفنون" بعمّان، وتتواصل ليومين، تحت عنوان "الوطن شيء نحمله".
في اليوم الأول من الورشة، يعيد المشاركون تخيُّل قانون مواطنةٍ مثالي، في محاولة لإنتاج أشكال جديدة لتعريف الذات، وينتجون أعمال فيديو عن ذلك. وفي اليوم الثاني تدير الورشةَ "مؤسّسة العمارة النسوية" التي تسعى إلى إجراء أبحاث معمارية تهدف إلى تفكيك السياسة المكانية المعاصرة والظهور التكنولوجي للجسد.
ووفقاً للقائمين على الورشة، فإنّ "الفهم العام للمواطنة يستمرّ كانتماء الجسد القانوني إلى المكان، ممّا يُغفل التجربة المركّبة، والجندرية، والطبقية، والعرقية التي تُعاش عادةً عند تعليق المواطنة"، ففي 25 بلداً، 14 منها تنتمي إلى جامعة الدول العربية، يرتبط منح الجنسية الوطنية بالسلالة، ويعتمد على تدوير الدم الأبوي على حساب حقوق الأمومة.
وفي هذه الدول، بحسب البيان "لا يزال حقّ الدم يستثني النساء من إعادة إنتاج المواطنة عبر منح النسب الأبوي، حصريّاً، القدرة على توريثها. بينما تشهد الوثائق الورقية لهوية الجسد وموقعه الشرعي - المحصور بالمؤهّلات الموضوعية للأبوّة والجنسية - تصبح المرأة معرّضة للخطر عند عجزها عن تقديم الأدلّة المطلوبة لإثبات انتمائها".
تأخذ الورشة الأردن كنموذج تشتبك فيه مسألة جنسية المرأة بحقوق المواطنة، والتي تتعلّق ضمنياً بالوصاية على الأطفال، والسفر معهم وخسارة الأبناء في حالة الزواج الثاني، وفي ضوء هذا الاقتلاع المكاني والعلائقي، تتكبّد النساء العواقب الفورية والوجودية الناتجة عن الفهم الملتبس والمُقصي الذي يأخذ شكلاً قانونياً، ويُطبَّق على الإنسان بحسب جنسه.