قصيدة القلق
1
دُرّاقٌ حامض
لسانُ دُرّاقٍ مسلوق
دُرّاقٌ حارٌّ وحارقٌ ومُرٌّ وحارٌّ
في اللسانِ المسلوقِ أيُّها الحزينون،
ذلِكُمْ هو القلق.
آه! ابتسامةٌ مدروسة، مخفّفةٌ ومجرَّبةٌ أمام مِرآةِ
ما لا أقُولُه.
آه! تنفُّسٌ بليدٌ مِن غيرِ تدبير، مقموعٌ ومُتهجَّى
سمٌّ غيرُ ضارّ
وتقرُّح.
يا لَهشاشةِ قلبِ الذي يعاني من القلق،
أيُّ آلةٍ بطيئة، أيُّ آلةٍ مشؤومةٍ
وبطيئةٍ هي القلب.
2
لم يعرفِ الحُمّى
لساني لم يعرفِ الحُمّى
لم يَقُمْ متحمِّساً لغناءٍ محموم
غناءٌ مسرورٌ فقطْ
أيُّها الحزينون
غناءٌ مسرورٌ فقطْ
كان لساني يُنشِدهُ في أغنيّتهْ.
3
هذا السُّمُّ كان في داخلي
في دمي
دمي كانَ يُسمِّمُ آخرينَ قبْلَ تسمُّمي،
والدي ووالدُه وأجدادُهما كلُّهُمْ جرحى
حتى الأصل الأول.
كلُّهم كانوا يحترقون مثلي
كلُّهم يحترقون معي.
4
لكنّ السُّمَّ يسلُق اللسانَ الأكثر سعادةً
أيُّها الحزينون!
إنِّي أتحدَّثُ عنّي، عنّي فقط.
■ ■ ■
قصيدة الخمول
1
إيّاكَ أعني أيُّها الخمول،
يا جوهرَ لحمي
وبستانَ الأعضاءِ المُنوَّمةِ القاتم
يا نبع كلِّ تعاسة، أيُّها المُميت.
2
يصيرُ بخارُ ألفِ لوزةٍ فارغةٍ مُظلماً
ويجعل الزمانُ كلّ ما تلمسُهُ أيُّها الخمولُ
بذرةً عقيمةً للتمنّي،
يستهلكُ نفْسَهُ فلا يُثمرُ أبداً.
وأمزجةٌ من الدماء، أمزجةٌ سوداء
تُلوّثُ أعضاء واشتياقات؛ موجاتٌ
موجاتٌ ستَنْصِبُ زَبَداً وشِباكاً
مستعجِلةً وراسبةً بعد الجَزْر.
أيُّها الخمولُ
يناديك من لا يمْلِكُ إلى أين،
من يجُرُّ في ثقلهِ
كلَّ شِدّةٍ خائنة، كلَّ قشدةٍ متفجّرة
لكنّ دماءه الفارغةَ تتعبّدُ بك وتهابُكَ
وهي مغروزةٌ في عطركْ.
3
أبْتهِلُ إليكَ يا قِنْديلَ الآرِقين
اعزِفْ على نايكَ ذي الزجاجِ سُنبُليِّ القامة
واستقبِلْ مُناديَكَ في حُضنِكَ الذائبْ
ستكُونُ ساعةَ جِيادٍ مُنَيَّرَةٍ
تحتَ الشعاعِ البليغِ لِطلْعتِكَ المحبوبة.
فالخُمولُ سيعْبُرُ بعُطورٍ
ثُمَّ يعبُرُ بأسرارٍ
عبْرَ طُرقاتٍ ليُمجِّدَ كلَّ نَوْمٍ دُونَ اسم،
جسدٌ كُلُّهُ قلَقٌ
مُتّكِئٌ على طُولِ بُؤْسِهِ الطويلْ.
4
لكنْ أيُّ مسالكَ فظيعةٍ
هي سُبُلُ دمِكَ الفظيعة،
إنّكَ تَضربُ تحتَ العظامِ المُترهِّلة
شرايينَ وقُلوباً
وتُلقِّحُ أمزِجةً في الغابةِ العصبيّة
لكنْ ليسَ ثمّةَ مَصارف ولا أعضاءْ،
وليس ثمّة مَحاجم مِن أجلكْ؛
تتراكمُ العُصارةُ الصفراويةُ في بُطيناتٍ قارسة
وليْسَ لكَ ثمّةَ مِن نزيفْ
الحُوَيصِلاتُ الهوائيّةُ والعُقَدُ اللّمفاويّةُ والغضاريفُ المفصليّةُ
تَمْتصُّ المراراتِ والأبْخِرة
وليسَ ثمّةَ مِحقنةٌ من أجلكَ
ولا دودةُ عَلَقٍ واحدة.
■ ■ ■
قصيدة الخديعة
1
رأيتُ منافيخَ عميقةً
تَنْقلُ سوائلَ الأزرقِ والذهب،
وتردُّدَ الرعدِ الكثيف؛
لكنَّ المنفاخَ نفَخَ
نَفْطةً في لحمي.
ما أحزنَ الكِذبةَ المُحضَّرةَ على السِّماطِ
وما أمَرَّ الطاولةَ التي تُقدَّمُ عليها
لقمةٌ من الخديعة.
2
كانت الإيماءةُ أولاً
النظرةُ في الأرضِ
في الهواءْ
وهي تائهةٌ في مكانٍ ما،
الإصرارُ -على فتراتْ-
فالشهودُ والأدلة
ثُمّ القسَمُ أخيراً.
3
تُوَتِّرُ الرئةُ - المِنفاخُ
النبضَ العبوسَ للهواءِ المضغوط
ذلك الفوحُ الذي يُحْيِي جَذْوةَ الدّمْ
في أيِّ كورِ حدادةٍ صارمٍ قد صيغَ هيكلُكِ
يا خديعةً بألفِ وجه؟
4
كان الترصّدُ أولاً
الكيْدُ فالتدليسُ ثم المَنفعة
ابتسامةٌ ستَفتحُ قلوباً في ما بينَ الأسنان
من أجْلِ اقتلاعِ عُملاتٍ وطوابعَ قديمةٍ ممزّقة
واللسانُ المقْنِعُ مفتاحٌ مدلَّسٌ طويلٌ أيضاً
اللسانُ اللسانْ
الغدّارُ السريعُ إذْ يَستعْطِفُ القُرْحة،
ذلكَ المزوِّرْ.
5
يَنفُخُ المِنفاخُ السمَّ الذي سيُلطِّفُ الخديعة
يبثّ الغازَ الفظيعَ لنجاستِكِ الفظيعة
يُلوِّثُ خصيباً
يتبخّرْ
اجعلي ما تبعثينهُ منكِ لُبَّ الأوكسجين
فَجِّري الخدَّ الرَّخْوَ
لكنْ لا تسقينا بِيَدِكِ أبداً.
6
قالوا لنا كلماتٍ كانتْ متقونةَ الرَّنات
وفتحوا على مرائينا أبراجاً جديدة
وعلى مسامعنا أصواتاً متملِّقةً وأحلاماً
لعلّهم قالوا لنا
أنَّ الحياةَ على أيديهم
ستكونُ وليمةً وسعادة
فوضَعنا الروحَ في صينيّةِ
القلبِ الهشِّ الفارغة.
7
لكنْ يا لَلأسفِ حينها، أيُّ حُزنِ مِحرقاتٍ
آهٍ وأيُّ فِراسةٍ تُملي علاماتٍ متقلِّبةً
على أوراقِ الشّجَر
على أجنحةِ الطّيْر.
8
يتجمّدُ الظِّلُّ فوقَ رؤوسنا
وهو ينبضُ في الظلماء
يوجَدُ صُراخٌ، وهَوْلٌ
وتَنْتصِبُ الخديعةُ في تِمثالٍ مِنْ ملحٍ
بينما أُشاهِد،
أُشاهِدُ ما لمْ أَعُدْ أُصَدِّقُهُ.
■ ■ ■
غزالة الظل
لَيْسَ مَشْيُكِ في الأرضِ
بلْ قفْزُ الثلجِ مِنْ عُنُقِكِ
هو المِقلاعْ.
لَيْسَ مَشْيُكِ فوقَ الحجارة
ولا رَقصُ الكعوبِ المُضطهَدة
ولا الدِّقةُ
ولا الرياحْ
لَيْسَ مَشْيُكِ
إنْ اتّبعْتُكِ
هو ما يَدُوسُني مُحترِقاً
لَيسَتْ حوافرُكِ الرّخْوَةُ
بَلْ ظِلُّكْ.
غزالةُ الماءِ المخْضرّ
أيّ هديرِ رياحٍ
وأيّ فُتاتٍ ذلك
وأيّ ريشاتٍ تلكَ
التي تُنادينا لنلْتَقي، حمامةٌ، إيمانٌ
وأغنيّةُ ماءٍ مُخْضَرّ؟
أيّ حَجَرٍ مُؤْرَقٍ
وأيّ ماءٍ جوِّيٍّ سوْفَ يَسقُطُ
أيُّها الحافِر،
حيثُ يتعمّقُ أثَرُكَ بِرَجّةٍ عنيفة؟
أيّ الأغاني يا أيّتُها الغزالةُ
أيّ الأغاني تَسْقِينَها
فكانَتْ مسامِعي كأْساً لها
وينبوعاً يُهَشِّمُ زُجاجَ حَياتي؟
■ ■ ■
غزالة الحدائد المفروضة
تعالَيْ يا غزالةَ الماءِ وافتحي صَدْري
اقلِعي واكوي واضرِبي
اقفِزي فرَحاً واصرِفي المياهَ
فإنّكِ قَدْ دُسْتِ عِظامَ
خَذِّي
وورْدةً مِنّي،
أيّتُها الغزالةُ،
إنّ عَضّتَكِ
وَسَمَتْ جِلدي بالحَديد؛
أنا قَطيعُكْ.
* Mario Bojórquez شاعر مكسيكي من مواليد عام 1968. أصدر تسع مجموعات شعرية، من بينها: "ديوان موراريا" (1999، ومنها هذه القصيدة) و"الرغبة المؤجلة" (2007). وهو من شعراء اللغة الإسبانية الذين يَدعون إلى الاعتراف بالأثر العربي على شعر وثقافة العالم الهسباني.
** ترجمة عن الإسبانية علي بونوا