"أيام هائمة على وجهها، أيام مفقودة ضائعة لا هدف لها، العقول ما زالت عالقة في أمواج المحيط، باحثة عن راحة البال في السهول الجديدة، لكن سهول السجن ليست إلا ممراً يبدو كما لو أنه يقودنا إلى صالة رياضية مليئة بالقتال، حيث رائحة العرق الحار تدفع الجميع إلى الجنون، مر شهر منذ أن نُفيت إلى مانوس. أنا قطعة لحم ألقيت في أرض مجهولة، في سجن القذارة والحرّ. أعيش في بحر من الناس؛ وجوههم ملطخة بالغضب، مشجوجة بالعداء، كل أسبوع، تهبط طائرة أو طائرتان في المطار المحطم للجزيرة ينزل منها حشود جديدة، وبعد ساعات يتم إلقاءهم في السجن بين المشاغبين والنازحين، مثلما تحشر الأغنام في مسلخ".
هذا مقطع من رواية "لا أصدقاء إلا الجبال" التي كتبها لاجئ إيراني كردي يدعى بهروز بوخاني توجّه على قارب مع لاجئين آخرين إلى أستراليا في 2013 واحتجز في سجن "مانوس" سيء السمعة الذي أقفل مؤخراً.
حازت الرواية قبل أيام على "الجائزة الفكتورية للأدب" التي تعتبر من بين أرفع الجوائر في أستراليا وفقاً لتقارير إعلامية بريطانية وأسترالية ذكرت أنها الأعلى قيمة مادية أيضاً (100 ألف دولار أسترالي ما يعادل 70 ألف دولار أميركي)، كما حازت الرواية لطابعها التوثيقي على فرع الجائزة نفسها للأعمال غير الأدبية وقيمتها 25 ألف دولار، وهي سابقة من نوعها، يفسرها بيان الجائزة الذي رأى فيها عملاً أدبياً وكذلك توثيقياً صحافياً.
كتب بوخاني، الصحافي والطالب، الرواية على شكل رسائل نصية على تطبيق "واتساب" كان يرسلها إلى صديقه، بينما هو محتجز لأربع سنوات في السجن الذي يقع على جزيرة مانوس بابوا غينيا وسط المحيط الهادئ والشهير بشروطه اللاإنسانية والتي أثارت الحنق العالمي على سياسات البلاد ضد المهاجرين.
صحيح أن أستراليا أغلقت هذا السجن عام 2017، لكنها وزعت من كانوا فيه على مراكز مختلفة ليست أفضل كثيراً، وصحيح أن بوخاني كاتب حاز جائزة رفيعة لكنه حتى اللحظة أسير مراكز إقامة اللاجئين التي تعامل القادمين على قوارب الموت كما لو كانوا مصابين بالطاعون في حجر بائس.
كتب بوخاني العمل بالفارسية وكان يرسل المقاطع إلى صديقه الذي يجيد الإنكليزية أوميد توفيقيان، والذي قام بترجمتها، وقد صرّح إلى "بي بي سي" البريطانية "واتساب هو مكتبي، لم أكتب على الورق لأن الحراس في ذلك الوقت كانوا يهجمون على غرفنا فجأة كل أسبوع أو كل شهر ويبحثون في ممتلكاتنا. كنت قلقاً من ضياعها لذلك كنت أكتبها وأرسلها أولا بأول".
منذ وصوله بالقارب، كان بوخاني من أنشط اللاجئين وأكثرهم شغباً، صوّر فيلماً وثائقياً من داخل "مراكز اللجوء" وكان مغرداً مثابراً على كشف حقيقة ما يمكن تسميته سياسات رفض اللجوء الاسترالية، أو ما يعرف بـ "نظام الاعتقال البحري" المثير للجدل، وهو منذ أن لفت الأنظار من سجنه، بات من الأسماء التي تنشر بشكل منتظم في صحيفة "غارديان" البريطانية.
اللافت أن الجائزة تشترط في الحائز عليها أن يكون أسترالياً أو مقيماً شرعياً في أستراليا، لكن لجنة التحكيم والقائمين عليها قرروا تسديد ضربة قوية وتوجيه رسالة إلى القائمين على سياسات اللجوء في بلادهم، مفادها أن الأدب لا يحتاج إلى أن يحمل أوراقاً ثبوتية، وأن هؤلاء الذين تسجنونهم خارج الحدود ليسوا قطاع طرق، بل إن بينهم الفنان والصحافي والمبدع.
وصفت اللجنة الرواية بأنها "عمل فني مذهل، استخدم فيه الكاتب تشكيلات سردية مميزة، من التحليل النقدي لواقعه إلى الوصف الكثيف إلى الشعر وصف الدستوبيا السريالية. كتابة جميلة ودقيقة، تمزج بين التقاليد الأدبية المنبثقة من جميع أنحاء العالم، ولكن بشكل خاص من داخل الثقافة الكردية".