"خريطة الملح والنجوم" عنوان الرواية السورية التي صدرت بالإنكليزية حديثاً للكاتبة السورية الشابة جينيفر زينب جوخدار، والتي تلجأ فيها إلى حيلة روائية مألوفة بالعموم ولكن بطريقة تضفي على الحيلة الجدّة والتشويق الروائي وتتيح للسارد اللعب في مكان واحد بين زمانين.
الحيلة في تقديم شخصيتين من زمانين مختلفين، لكنهما تبدوان شخصية واحدة، حيث تستحضر الكاتبة قصة فتاة سورية تعيش الحرب اليوم وتمشي في طريقها إلى اللجوء، وبين فتاة متخيلة تتقمص شخصية فتى لترافق الإدريسي في رحلاته.
فكرة الرواية تنبني على استعادة التاريخ، وهو أحد ضحايا الحرب، ومن بين الأشياء الكثيرة التي يطمسها عنف الحرب؛ التاريخ الجميل للمكان، تحاول جوخدار أن تقول إن سورية التي نراها اليوم في الحرب، ليس هي كل قصة سورية، وأن البلاد عمرها ليس فقط سبعة أعوام، بل آلاف السنوات، وأنها بلاد عرفت المجد مثل كل الحضارات كما تعرف الاستبداد والحرب اليوم.
يتناول الكتاب قصة نور وهي فتاة سورية أميركية تعيش في نيويورك، تفقد والدها عام 2011 بسبب السرطان، فتقرر والدتها الانتقال إلى سورية والعودة إلى حمص لتكون العائلة قريبة من حضن البيت الكبير، غير أن وصول نور يتزامن مع دخول البلاد في الثورة، ثم انزلاقها إلى الحرب، لتجد نور نفسها هائمة مع العائلة يحاولون شق طريق اللجوء، بعد إصابة الأخت الكبرى أثناء القصف في حمص.
سرعان ما تكشف الرواية قصة أخرى، وقعت قبل ألف عام تقريباً، بطلتها راوية، التي تخفت كصبي وانضمّت إلى الإدريسي حين خرج مسافراً يحاول رسم خريطة العالم القديم لروجر الثاني ملك صقلية.
من خلال رحلتي نور وراوية يلمس القارئ أن الجغرافيا لم تتغيّر، الحدود فقط هي التي انوجدت، وأن النجوم ما زالت تدل على نفس الطرق وتهدي إلى ذات الأماكن ولم تغير مكانها بالنسبة إلى الأرض.
ومن خلال حكاية راوية تدل نور عائلتها إلى الطريق وتكشف لهم عن معارف موجودة من مئات السنين ولم يغيرها شيء، وأن طريق الترحال معبّد دائماً بالمخاطر والجوارح والعثرات والخسائر.
سيرة سورية معاصرة ممتزجة بسيرة تاريخية وثقافية كبيرة، شوهتها التراجيديا التي تعرفها البلاد اليوم، لكن في الماضي بصيص أمل ونجوم ترشد إلى الطريق.