مثل شهاب لمعَ سريعاً اسم الشاعر الفلسطيني الدنماركي يحيى حسن (1995) وتحوّل إلى ظاهرة تُثيرُ سجالات تجاوزت الأدبي إلى السياسي، وجدلاً تخطّى حدود الدنمارك حيث وُلد وعاش حياةً قصيرةً لم تتعدّ أربعة وعشرين ربيعاً؛ إذْ أعلنت وسائل إعلامٍ دنماركية، اليوم، العثور عليه متوفياً في شقّته بحيّ "آرهوس 5"، بمنطقة جوتلاند ثاني مُدُن البلاد، صباح اليوم الخميس.
ونقلت وسائل إعلامٍ محلّية أنّ والدة حسن وجدته في شقّته في آرهوس 5 صباح اليوم، ثم اتصلت بالشرطة التي قالت إنه لا يوجد ما يُشير، حتى الآن، إلى وقوع عمل إجرامي.
حقّقت مجموعته الشعرية الأوّلى "يحيى حسن" (2013) مبيعاتٍ قياسيةً منقطعة النظير وتُرجمت إلى لغاتٍ عالمية عدّة، وكانت الأكثر مبيعاً في التاريخ الدنماركي برقمٍ تعدّى 120 ألف نسخة واعتبر صاحبها "الابن الرهيب" للأدب الدنماركي ونجماً بكل معنى الكلمة. وفي نهاية 2019، أصدر مجموعته الثانية "يحيى حسن 2" التي رُشّحت لـ "جائزة مجلس الشمال للأدب".
كانت شخصيته المتمردة وطريقته الخاصة في قراءة قصائده أكثر سمةٍ تميّزه؛ إذ كان يقرأها بنغمةٍ واحدة كما لو أنه يقرأ نصّاً دينياً، إضافةً إلى قصائده نفسها، والتي كانت بمثابة سيرة ذاتية لشاب نشأ في حيّ للمهاجرين بالجزء الغربي من آرهوس، وقضى جزءاً من طفولته في إصلاحيات لتقويم الأحداث، وتعرّض إلى كثير من العنف الأُسري.
كان حسن، الذي ترشّح في 2015 للانتخابات البرلمانية في الدنمارك دون أن يفوز فيها، دائم الظهور في الإعلامي الدنماركي وكان لقاءاته تثير الكثير من الجدل، سواءٌ بسبب قصّة حياته، أو بسبب آرائه النقدية والإشكالية حول المهاجرين والثقافة الإسلامية ولا سيما في بدايته، وهي آراءُ جعلت البعض يتّهمه بـ "الردّة" وتشويه صورة المهاجرين في الغرب، كما تلقّى تهديداتٍ عدّة بالقتل وصارت أمسياته، التي أقبل عليها الجمهور الدنماركي بكثافة، تقام بحماية أمنية.
ولكن الشاعر الذي ظنّ اليمين الدنماركي أنه صوتٌ له، سرعان ما انقلب على المؤسسة الدنماركية وراح يوزّع لعناته على جميع الأطراف. شارك في تأسيس حزب جديد وترشح للانتخابات على قائمته قبل أن يختلف مع زملائه في الحزب الجديد ويتركه، وسرعان ما سجن بتهمة حيازة سلاح غير مرخص واستعماله، ومخالفات قانونية أخرى.
في آخر فيديوهاته، يظهر يحيى حسن وهو يؤكّد أنه لم يتخلّ عن الإسلام، وإن كان يُفكّر بطريقة مختلفة: "ولدت مسلماً وأريد أن أموت مسلماً، لكن الإنسان يمكن ألا يفكّر مثل معظم الناس". وفي حين حاولت بعض وسائل الإعلام الغربية في السابق، وتحاول الآن، تصويره على أنه كان معادياً للإسلام (نشرت وكالة "الأسوشيتد بريس" خبراً تناقلته صحف عالمية عديدة في الساعات الماضية، عنوانه: "مات الشاعر الفلسطيني الدنماركي الذي انتقد المسلمين")؛ يؤكد من عرفوه عن قرب أن سيرته لا يمكن أن تُختزل بهذه الطريقة المسيئة، وأن حسن كان معتزاً بهويته العربية الإسلامية، وبشكل خاص بفلسطينيته وإن اتصفت شخصيته بالحدة والميل للاستفزاز غير المستغربة من شاعر شاب في العشرين، وأن الإعلام الغربي طالما لعب دوراً مسيئاً في حياة الشاعر وفي رحيله المأساوي الآن، كما يؤكد الزميل، الشاعر الفلسطيني نجوان درويش، الذي عرف حسن عن قرب أثناء مشاركتهما في برنامج أدبي دنماركي فلسطيني عام 2013 ولاحقاً عند زيارة حسن لفلسطين في أيار/مايو عام 2014.
يذكر أن عائلة يحيى حسن تعود إلى قرية لوبيا الفلسطينية المهجّرة (قرب مدينة طبريا) التي احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948، فلجأت العائلة إلى لبنان، قبل أن يهاجر والده إلى النرويج.
سيرة عاصفة وتراجيدية لشاعر لامع، بين احتلال فلسطين عام 1948 وتغريبة اللجوء في دنيا الله، والموهبة الفذة والمجد الأدبي المبكر، والرحيل المفجع الذي ليس كمثله رحيل.
من قصائد يحيى حسن
طفولة
خمسةُ أبناء يَصْطَفّون وأبٌ يَحْمِل عصاً
بكاءٌ لا يوصف وبِرْكة بَول
نمدُّ أيدينا بالتناوب
مِنْ أجلِ أن نُخفِّف عن بعضنا
أصواتُ الضربات مثل المطر
وأُختي تقفز بسرعةٍ شديدة
مِنْ قَدَمٍ إلى أُخرى
وشلّال من البول يَنْدَفِع أسفَل ساقيها
تُقدِّم يداً
تَسْحَبها وتُقدّم يدها الأُخرى
إن لم تكن سريعة بما يكفي ستنزل الضربات كيفما اتفق
ضرباتٌ
صراخٌ
وأرقام
- أحياناً 30 أحياناً 40 وأحياناً 50 -
ركلة في المؤخرة توصلها إلى الباب الآخر
الآن يُمسِك أخي من كتفيه ويُثبّته
ويبدأ بالضرب والعدّ
رأسي محنيٌّ بانتظار دوري.
أُمي تهشّم الصحون على الدرج
"الجزيرة" تواصل نقلها المباشر
الأعلام تحترق
جرافاتٌ تعمل بهمّةٍ مسعورة وأعضاء بشرية ناقمة
غزّة في الشمس
إذا لم يعترف بوجودنا صهيوني
إذا كنّا موجودين أصلاً
عندما نُزَوبِعُ الخوف والألم
عندما نتشبّث من أجل نَفَس ومعنى
في المدرسة ممنوع الكلام بالعربية
وفي البيت اللغة الدنماركية ممنوعة
ضرباتٌ
صراخٌ
أرقام.
* القصيدة بترجمة نجوان درويش من مجموعة "يحيى حسن" (2013)