أُعيد اليوم الإثنين افتتاح قصر الثقافة في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، شمال القاهرة، بعد أن أُغلق لأربعة أعوام للقيام بأعمال تجديد وتطوير. المبنى واحد من عدة قصور يجري العمل على تحسينها؛ وهي قصر ثقافة العريش في سيناء، وقصر ثقافة منطقة أبو رماد، وقصر ثقافة حلايب وشلاتين.
وقد عرفت هئية قصور الثقافة المصرية في السنوات الأخيرة، عدة أزمات تختلف أشكالها وتتفق في سببها وهو قلة الدعم المالي وغياب استراتيجية وخطة واضحة لتطوير أداء القصور، وتغيير القائمين على الهيئة باستمرار.
وعند النظر إلى مشكلات الهيئة، يمكن رؤيتها على مستويين، الأول هو مهمتها المكلفة في تغطية وتلبية حاجات مئات المواقع الثقافية الخدماتية المنتشرة (مكتبات، قصور ثقافة، بيوت الشباب) في بلاد كبيرة وذات تعداد سكاني كبير معظم مكوناته من الشباب الذي يحتاجون إلى هذه الخدمات.
والثاني من حيث علاقتها بالوسط الثقافي نفسه، والعلاقات التي تغلب عليها المصالح والشللية والخدمات الشخصية أو حتى الخلافات الشخصية والبيروقراطية، إلى جانب أساليب تنفيذ الخطط.
منذ تأسيسها عام 1945 تحت مسمى "الجامعة الشعبية"، قبل أن يجري تغيير الاسم إلى "الثقافة الجماهيرية" عام 1965 ثم يستقر على "هيئة قصور الثقافة" عام 1985، وهي تتوجه بحسب بيان تأسيسها إلى قضايا ثقافية تخص الثقافة العامّة والمسرح والسينما والموسيقى والثقافة الشعبية وقضايا المرأة والطفل وحتى ثقافة العمال.
لكن أزمتها الاقتصادية هي جزء صغير من أزمة كل القطاع العام في مصر، وهو ما تسبّب في قضايا قانونية لصرف مستحقات أكثر من الموظفين فيها والتي تفجرت العام الماضي وتداولتها الصحف بشكل كبير.
على صعيد آخر، فإن المثقف المصري طالما نادى بضرورة أن تلعب القصور دوراً تنويرياً بعد 2011، وأن تكون فاعلة في الواقع وليست مجرد دار نشر كبيرة تطبع الكتب وتنظم المسرحيات، لا سيما حين يُستذكر دورها ونشاطها الكبير في الستينيات، والآن تعيش حالة من الانهيار والغياب، خاصة في المراكز القبلي والبحري البعيدة عن القاهرة.
لم يبق من الهيئة اليوم إلّا عملها في النشر، وحتى هذا بدأت تعمل على تفتيته فألغت مجموعة من السلاسل التي كانت تنشرها بشكل دوري، وتغيّر رؤساء تحرير المجلات الفاعلة فيها بلا أي سبب موضوعي.
السؤالان اللذان يمكن طرحهما على المثقف اليوم، أو حتى على الشباب، هل تتأثر الثقافة في مصر لو أُغلقت "الهيئة العامة لقصور الثقافة"؟ ماذا ينقص من حياة الشاب المصري في المحافظات لو أغلق المركز أو البيت الثقافي في بلدته، وماذا يقدم فعلياً له هذا البيت.
التذرُّع بضعف الميزانية، وهو سبب قوي لتردي حال الهيئة، لن يجلب الحل، فربما تنقص الميزانية أكثر خلال السنوات المقبلة. لكن الحلول تكمن في التفتيش عن طرق مختلفة وشراكات جديدة بين القطاعين العام والخاص في مجال الثقافة لإيجاد منافذ لإنجاز مشاريع ثقافية مضيئة يفترض أن تكون أولوية لهذه الهيئة... هذا بالطبع إن كانت الثقافة أولوية أساساً على أجندة الأعمال المصرية الرسمية.