يواصل الفنان الفلسطيني تيسير البطنيجي (1966) مقاربة مفاهيم وثيمات تتعلق بالذاكرة والهوية والاحتلال والمكوث في المكان والعبور منه وإليه، عبر تفكيكها وتحويلها إلى عناصر مجرّدة ومصغّرة ثم صياغتها في رؤية تعيد ربطها بأفكار وسرديات موازية ومنحها عمقاً ومعاني جديدة.
لا يملّ البطنيجي من تجريب وسائط متعدّدة لبلورة وجهات نظره تجاه الأشياء من حوله، ما يعكس جرأته ورغبته الدائمة في اختبار أفكاره بلغة بصرية مبتكرة، حيث يقدّم مشاريعه من خلال أعمال تجهيز والفيديو آرت والفوتوغراف.
"الرمل يأتي من النافذة" عنوان معرضه الجديد الذي يفتتح عند الخامسة من مساء غدٍ الخميس في "مركز مينا للصورة" ببيروت، ويتواصل حتى الحادي عشر من آب/ أغسطس المقبل. يستوحي المعرض عنوان رواية الكاتب السوري حينا مينة (1924 – 2018) "الثلج يأتي من النافذة"، ولكنه يذهب في اتجاه معاكس.
يقتبس تقديم المعرض عبارة من الرواية: "لعل الناس يسعون إلى النسيان في سعيهم إلى اللقاء"، في إشارة إلى أن البطنيجي خلافاً لهذه المقولة "لا يسعى في أعماله إلى النسيان، بل إلى تجسيد مفاهيم الفراغ والغياب والانفصال. فأعماله تتمحور حول تمثيل الاختفاء وإمكانية اختفاء أشكال التمثيل".
ويضيف التقديم أن "البطنيجي يقيم في باريس، ويعمل من هناك عن أرض لا يستطيع العمل فيها، ففي أحدث أعماله "انقطاعات" يسجل صوراً للشاشة أثناء محادثات مرئية عبر تطبيق الواتس آب مع عائلته في غزة، فهو تارة يرى والدته وتارة يشهد على اختفائها. الصور المشوّشة الناتجة أحياناً عن ضعف شبكة الاتصال، وأحياناً أخرى كثيرة عن الحرب، تحيلنا إلى ذلك الفضاء الذي يختلط فيه الخاص بالعام".
التقط الفنان صوراً لآباء تتصدر أماكن عامة في مدينة غزة، مبرزاً الحيّز الذي علقت فيه مجموعة "آباء" كالورش والدكاكين والمحال التي قد يكون جزء كبير منها موروثاً عن هؤلاء الآباء الغائبين. الموضوع هنا ليس سوسيولوجيّاً بمعنى طرح للمفهوم الأبوي، إنما هو عمل بحثي عن العلاقة بين الصورة من جهة وثنائية الحضور والغياب أو فكرة حضور الغياب من جهة ثانية. وتأتي مجموعة آثار بالألوان المائية لتسائل حالة ما بعد الاختفاء.
استوحى البطنيجي من أعمال المعمارييْن والمصمييْن الألمانيين برند وهيلا بيشر حول مستوعبات المياه ليقدم وثيقة طوبوغرافية لأبراج المراقبة الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية، وأراد تشكيل خدعة بصرية، حيث ينظر المشاهد إلى الصور معتقداً أنه يعرف محتواها ومُصوّرها، ولكن سرعان ما يدرك بعد مشاهدتها عن كثب أن لا علاقة لها بتقنيات بيشر، وهو هنا يدعو مشاهديه إلى التدقيق في هذا الحضور الصاخب، محوّلًا إياه إلى سجل للاختفاء والغياب والانفصال.