الكتابة متعة لا شك، ولكنها لا تُطعم حتى واحداً في المائة من هؤلاء الذين أعرفهم، ومن أولئك الذين لا أعرفهم.
هؤلاء الكتّاب الذين يودّون لو يعيشون من أقلامهم، ثم يُسهّمون ويزفرون: لا حول ولا قوة إلا بالله.
إنها باختصار مهنة غريبة غير مغذّية، ناهيك عن أنها تسرق الوقت الثمين وتحرقه في الهواء، دون مقابل.
أفكّر على هذا النحو، وأنا أتأمّل، عادةً، أجوراً مهيضة الجناح، يتقاضاها كتّاب لامعون، وأتذكّر وأبتسم:
زمان، وأنا في الصف الثالث الإعدادي، سألني المعلّم أبو نُزهة: وماذا تريد أنت أن تكون في المستقبل؟
فرددت بكل أريحية: شاعراً يا أستاذ.
شاعراً ولا فخر!
تفاجأ الطلّاب بشيء لم ولن يخطر على بالهم، ثم ضجّ الفصل بالتصفيق لهذه المهنة النادرة، بين مهن شائعة تراوحت كلّها ما بين دكتور، أو مهندس، أستاذ، أو تاجر، صائد حَسَاسين، أو عامل بناء... إلخ.
سيمر وقت طويل جدّاً (في الحقيقة، ما ينيف على أربعة عقود من الزمن)، كي أعرف ـ ولا مؤاخذة ـ أن الواحد منّا ظلمَ نفسه وأمّه، وأباه (لو كان هذا حياً، حينها) وجيرانه، ثم، في ما بعد، عائلته، وغيرهم وغيرهم، من أجل أن يكون شاعراً، يوجد منه الآلاف في السوق.
في غير قليل من الحالات، أفكّر في الأجور وأبتسم: إنها بالفعل، تستحق كل هذه التضحيات.
والشاطر منا، أن يواصل ولا يُحبط على كَبَر.
أليس كذلك؟